أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطَّبَرِي، (224 هـ - 310 هـ - 839 - 923م)، مفسّرومؤرّخوفقيه، ولُقِّبَ بإمام المفسرين، ولد
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطَّبَرِي، (224 هـ - 310 هـ - 839 - 923م)، مفسّرومؤرّخوفقيه، ولُقِّبَ بإمام المفسرين، ولد بآمُل عاصمة إقليم طبرستان، ارتحل إلى الريوبغدادوالكوفةوالبصرة، وذهب إلى مصر فسار إلى الفسطاط في سنة 253 هـ وأخذ على علمائها علوم مالكوالشافعيوابن وهب، ورجع واستوطن بغداد، قال الخطيب البغدادي: «كان حافظًا لكتاب الله، عارفًا بالقراءات، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفُا بأيام الناس وأخبارهم»، عُرِضَ عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى، له العديد من التصانيف، يقول ياقوت الحموي: «وجدنا في ميراثه من كتبه أكثر من ثمانين جزءًا بخطه الدقيق»، ومنها: اختلاف علماء الأمصار، وهو أول كتاب ألفه الطبري، وكان يقول عنه: «لي كتابان لا يستغني عنهما فقيه: الاختلاف واللطيف»، وألف جامع البيان في تأويل القرآن، المعروف بتفسير الطبري وتاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبريوتهذيب الآثار، وذيل المذيل، ولطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام، وكتاب القراءات، وصريح السنة، والتبصير في معالم الدين، وتوفي في شهر شوال سنة 310 هـ، ودفن ببغداد. سيرته
نسبه ومولده ونشأته
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، وُلِد في طبَرِستان في مدينة آمل، وهناك مدينتين تحمل اسم آمل وهناك خلاف حول أي المدينتين التي ينتمي لها الطبري ويرجح بعض الباحثين أن المقصودة التي في تركمانستان، عام 224 هـ، ونسبه بعض العلماء إلى قبيلة الأزد اليمنية والتي أستوطن قسم منها في المشرق الإسلامي وهو الأرجح، وكان ينأى بنفسه عن الخوض في الأنساب، وزعم المستشرق بروكلمان أنه من عنصر أعجمي، نشأ الطبري بآمل، وتربى في أحضان والده وغمره برعايته، وتفرس فيه النباهة والذكاء والرغبة في العلم فتولى العناية به ووجَّهه منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم، كما هي عادة المسلمين في مناهج التربية الإسلامية، وخاصةً أن والده رأى رؤيا تفاءل بها خيرًا عند تأويلها. فقد رأى أبوه رؤيا في منامه أن ابنه واقف بين يدي الرسول ومعه مخلاة مملوءة بالأحجار، وهو يرمي بين يدي رسول الله، وقصَّ الأب على مُعَبِّرٍ رؤياه فقال له: "إن ابنك إن كبر نصح في دينه، وذبَّ عن شريعة ربه". ويظهر أن الوالد أخبر ولده بهذه الرؤيا وقصها عليه عدة مرات؛ فكانت حافزًا له على طلب العلم والجد والاجتهاد فيه والاستزادة من معينه، والانكباب على تحصيله ثم العمل به، والتأليف فيه؛ ليدافع عن الحق والدين. وظهرت على الطبري في طفولته سمات النبوغ الفكري، وبدت عليه مخايل التفتح الحاد والذكاء الخارق والعقل المتقد، والملكات الممتازة، وأدرك والده ذلك فعمل على تنميتها وحرص على الإفادة والاستفادة منها؛ فوجَّهه إلى العلماء ومعاهد الدراسة، وساعده على استغلال كل هذه الطاقات دون أن يشغله بشيء من شؤون الحياة ومطالبها، وخصص له المال للإنفاق على العلم والتعلم، وسرعان ما حقق الطبري أحلام والده، وزاد له في آماله وطموحه. وقد حرص والده على إعانته على طلب العلم منذ صباه، ودفعه إلى تحصيله، فما كاد الصبي الصغير يبلغ السن التي تؤهله للتعليم، حتى قدمه والده إلى علماء آمل، وشاهدته دروب المدينة ذاهبًا آيبًا يتأبط دواته وقرطاسه. وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد، حتى قال عن نفسه: "حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة".النبوغ والذكاء
كان الطبري موهوب الغرائز، وقد كان ذا ذكاء خارق، وعقل متقد، وذهن حاد، وحافظة نادرة، وهذا ما لاحظه فيه والده، فحرص على توجيهه إلى طلب العلم وهو صبي صغير، وخصص له موارد أرضه لينفقها على دراسته وسفره وتفرغه للعلم. ومما يدل على هذا الذكاء أنه حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وصلى بالناس وهو ابن ثماني سنين، وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين.حفظ الطبري
نسخة تاريخ الطبري المترجمة إلى الفارسية بواسطة البلعمي التي تعود للقرن الثامن الهجري.كان الطبري يتمتع بحافظة نادرة، ويجمع عدة علوم، ويحفظ موضوعاتها وأدلتها وشواهدها، وإن كُتُبه التي وصلتنا لأكبر دليل على ذلك، حتى قال عنه أبو الحسن سري بن المغلس: "والله إني لأظن أبا جعفر الطبري قد نسي مما حفظ إلى أن مات ما حفظه فلان طول عمره. ورع الطبري وزهده
كان الطبري على جانبٍ كبير من الورع والزهد والحذر من الحرام، والبُعد عن مواطن الشُّبَه، واجتناب محارم الله تعالى، والخوف منه، والاقتصار في المعيشة على ما يَرِدُهُ من ريع أرضه وبستانه الذي خلَّفه له والده. قال ابن كثير: "وكان من العبادة والزهادة والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ... وكان من كبار الصالحين". وكان الطبري زاهدًا في الدنيا، غير مكترث بمتاعها ومفاتنها، وكان يكتفي بقليل القليل أثناء طلبه للعلم، وبما يقوم به أوده، ويمتنع عن قبول عطايا الملوك والحكام والأمراء.عفة الطبري وإباؤه
كان الطبري عفيف اللسان، يحفظه عن كل إيذاء، وكان متوقفًا عن الأخلاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات، ولما كان يناظر مرة داود بن علي الظاهري في مسألة، فوقف الكلام على داود، فشق ذلك على أصحابه، فقام رجل منهم، وتكلم بكلمة مَضَّة وموجعة لأبي جعفر، فأعرض عنه، ولم يرد عليه، وترفَّع عن جوابه، وقام من المجلس، وصنَّف كتابًا في هذه المسألة والمناظرة. وكان الطبري عفيف النفس أكثر من ذلك، فهو مع زهده لا يسأل أحدًا، مهما ضاقت به النوائب، ويعفُّ عن أموال الناس، ويترفع عن العطايا.تواضع الطبري وعفوه
كان الطبري شديد التواضع لأصحابه وزواره وطلابه، دون أن يتكبر بمكانته، أو يتعالى بعلمه، أو يتعاظم على غيره، فكان يُدعى إلى الدعوة فيمضي إليها، ويُسأل في الوليمة فيجيب إليها. وكان لا يحمل الحقد والضغينة لأحد، وله نفس راضية، يتجاوز عمن أخطأ في حقه، ويعفو عمن أساء إليه. وكان محمد بن داود الظاهري قد اتهم الطبري بالأباطيل، وشنَّع عليه، وأخذ بالرد عليه؛ لأن الطبري ناظر والده، وفنَّد حججه، وردَّ آراءه، فلما التقى الطبري مع محمد بن داود تجاوز عن كل ذلك، وأثنى على علم أبيه، حتى وقف الولد عن تجاوز الحد، وإشاعة التهم على الطبري. ومع كل هذا التواضع، وسماحة النفس، والعفو والصفح، كان الطبري لا يسكت على باطل، ولا يمالئ في حق، ولا يساوم في عقيدة أو مبدأ؛ فكان يقول الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثابت الجنان، شجاع القلب، جريئًا في إعلان الصواب مهما لحق به من أذى الجهال، ومضايقة الحساد، وتخرصات الحاقدين.محنته
النسخة الأولى المترجمة إلى اللغة الفارسية لكتاب تفسير الطبري وتعود للعام 606 هجري.تعرض الطبري لمحنة شديدة في أواخر حياته، فلقد وقعت ضغائن ومشاحنات بين ابن جرير الطبري ورأس الحنابلة في بغداد أبي بكر بن داود أفضت إلى اضطهاد بعض الحنابلة لابن جرير، وتعصب العوامّ على ابن جرير ورموه بالتشيّع وغالوا في ذلك. حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وظل ابن جرير محاصرًا في بيته حتى تُوفّي.
يُقال في سبب عداء بعض الحنابلة للطبري أنه أغفل في كتابه (اختلاف الفقهاء) ذكر أحمد بن حنبل، في حين أنه ذكر كثيراً من الفقهاء أمثال أبي حنيفةوالشافعيومالكوالأوزاعي وغيرهم، فلما سئل عن سبب إهماله أجاب سائليه: لم يكن ابن حنبل فقيهاً وإنما كان مُحدِّثاً. ومع ذلك، فالطبري لم يقلل من شأن ابن حنبل، بل أعلى من شأنه كثيراً، وتابعه في موقفه من محنة خلق القرآن. وفي كتاب للطبري، عنوانه (صريح السنة) يقول ما نصُّه: «وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، فلا أثر (حديث) فيه نعلمه عن صحابي مضى، ولا تابعي قضى، إلا عمَّن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه، وفي اتِّبَاعِه الرُّشْدُ والهُدَى، ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، رضي الله عنه... ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله؛ إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع، رحمة الله عليه ورضوانه».بعد هذه المحنة خلا الطبري في داره، وقيل أنه ألّف كتابه المشهور في الاعتذار إلى الحنابلة، وذكر فيه مذهب ابن حنبل وصوّب اعتقاده وجرّح من ظنوا فيه غير ذلك. وقرأ كتابه على الحنابلة فصالحوه وكفّوا عنه، واستأنف طلابه التردد على مجالسه بعد أن كان الحنابلة يمنعون الناس من مجالسته فكان لا يخرج ولا يدخل عليه أحد. وقد أورد تفاصيل تلك المحنة عدد من المؤرخين والعلماء منهم: ياقوت الحموي في (معجم الأدباء)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)، وابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، وابن كثير في (البداية والنهاية)، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، والذهبي في (سير أعلام النبلاء)، والصفدي في (الوافي بالوفيات).كما كان بعض الناس يذهبون في تفسير معنى آية: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ٧٩﴾ [الإسراء:79] إلى أن الله يقعد النبي محمد على العرش جزاء له على تهجّده. فقال الطبري: «أما حديث الجلوس على العرش فمحال، وأنشد: سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس». فلما سمعوا منه ذلك غضبوا، وأهاجوا عليه عامة الناس، واتهموه بالرفض، ورموا داره بالحجارة.تلامذته
كان الطبري أحد أبرز العلّامات في عصره، وقد حضر مجالسه العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن عبد الله الشافعي، ومخلد بن جعفر، وأحمد بن عبد الله بن الحسين الجُبْني الكبائي، وأحمد بن موسى بن العباس التميمي، وعبد الله بن أحمد الفرغاني، وعبد الواحد بن عمر بن محمد أبو طاهر البغدادي البزاز، ومحمد بن أحمد بن عمر أبو بكر الضرير الرملي، ومحمد بن محمد بن فيروز، وتعلم على يده كثير غيرهم.بعض مؤلفاته
مخطوطة تعود للقرن الثامن الهجري لتاريخ الطبري المترجمة للغة الفارسية بواسطة البلعمي.
تفسير الطبري—المسمى بجامع البيان عن تأويل آي القرآن.
تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والملوك).