وهذه الأنظمة التي جاء بها القرآن وصحت بها السنة أنظمة واضحة بينة يستقيم عليها أمر العباد وتصلح لهم في كل زمان ومكان ولا مختلف عليهم، بل يكون لهؤلاء عرفهم في بيعهم وشرائهم ونكاحهم وطلاقهم وأوقافهم ووصاياهم وغير ذلك حتى لا يربط هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء، كما قال جل وعلا تنبيها على هذا المعنى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] يعني بالمتعارف.
وقال النبي ï·؛ في حديث خطبته العظيمة في حجة الوداع ولهن عليكم (أي للزوجات) رزقهن (أي كسوتهن) بالمعروف وقال جل وعلا: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] لإقامة الحجة وقطع المعذرة.
وقال ïپ‰: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة:115] وقال ïپ•: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكََ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] فبين ïپ‰ أنه لابد من بيان، ولا بد من إقامة حجة حتى لا يؤخذ أحد إلا بعد إقامة الحجة عليه.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذا المعنى في كتابه: (إعلام الموقعين) فصلا عظيما بين فيه أن الشريعة راعت عوائد الناس ومقاصدهم وعرفهم ولغتهم حتى تكون الأحكام والفتاوى على ضوء ذلك، فقد يكون عرف هذه البلدة وهذا الإقليم غير عرف الإقليم الآخر والبلدة الأخرى.
وقد يكون لهذا الشخص من النيات والمقاصد ما ليس لشخص آخر ويكون لهؤلاء من العوائد ما ليس للآخرين، وقد تكون أزمان لا يليق أن يفعل فيها ما يليق أن يفعل في الزمن الآخر كما كانت الدعوة في عهد النبي ï·؛ في مكة غير حالها في المدينة لاختلاف الزمان والمكان والقوة والضعف، وهذا من عظيم حكمة الله جل وعلا ورعايته لأحوال عباده، فقد يقصد بعض الناس بألفاظ البيع والهبة ما يقصد به آخرون معنى آخر أو عقد آخر، وهكذا في الطلاق والإجارة وغير ذلك، وهكذا بعض الأزمان قد يسوغ فيها ما لا يسوغ في أزمان أخرى، ومثل لذلك بأمثلة منها إقامة الحد في أرض العدو إذا وجد من بعض الغزاة ما يوجب الحد في أرض العدو، فقد نهى النبي ï·؛ عن إقامة الحد في أرض العدو. لماذا؟ لأنه قد يغضب ويستولي عليه الشيطان فيرتد عن دين الإسلام لذلك ولقربه من العدو.
ومن ذلك عام المجاعة فإذا كان عام مجاعة واشتدت الحال بالناس لا ينبغي القطع في هذه الحالة للسارق إذا ادعى أن الذي حمله على ذلك الضيق والحاجة وعدم وجوده شيئا يقيم أوده ويسد حاجته، لأن هذا شبهة في جواز القطع، والحدود تدرأ بالشبهات. ولهذا أمر عمر رضي الله عنه وأرضاه في عام الرمادة بعدم القطع، وحكم بذلك رضي الله عنه وأرضاه لهذه الشبهة.
وهكذا تعتبر العواقب كما قال الله سبحانه: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2] وقال تعالى: فَاصْبِرْ إِنََّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] وقال سبحانه: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] فلابد من رعاية العواقب، ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله أن الإنسان إذا كان أمره بالمعروف في بعض الأحيان قد يفضي إلى وجود ما هو أنكر من المنكر الذي يريد أن ينهي عنه، فإنه لا يجوز له أن ينه عن المنكر في هذه الحالة إذا كان إنكار المنكر يفضي إلى ما هو أنكر منه وأشد، فإنك في هذه الحالة لا تنكره لئلا يقع ما هو أنكر منه وهذا من باب مراعاة العواقب. فإذا كان إنسان مثلا يشرب الخمر ولكنك إذا نهيته عن ذلك ومنعته عن ذلك ومنعته منه اشتغل بقتل الناس فحينئذ يكون ترك الإنكار عليه أولى. لأن شرب الخمر أسهل من كونه يتعدى على الناس بالقتل.
والمقصود أن الواجب الرعاية للعواقب كما تراعى عوائد الناس وظروفهم وأحوالهم ومقاصدهم ونياتهم في عقودهم وتصرفاتهم فيما بينهم، وفي إقامة الحدود وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يراعى في ذلك تحصيل المصالح ودرء المفاسد، وتحصيل المصلحة الراجحة بتفويت المصلحة المرجوحة وتعطيل المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الصغرى عند العجز عن تفويتهما جميعا، هذه أمور عظيمة جاءت بها هذه الشريعة الكاملة، ولا شك أن ذلك من محاسنها، ويجب على ولاة الأمور وعلى كل من له تصرف في أمر الناس أن يراعوها من قاض ومفت وأمير وغيرهم هذا كله من محاسن هذه الشريعة العظيمة.
ومن محاسنها أيضا أنها جعلت للناس الحرية في الكسب والأخذ والعطاء فيكتسب المسلم ويأخذ ويعطي في حدود الشريعة، كما قال تعالى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة:286] له غنم ما أخذ وعليه غرمه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من سؤال الناس أعطوه أو منعوه فحث على الكسب وبين أنه خير من سؤال الناس. ولما سئل عليه الصلاة والسلام أي الكسب أطيب قال: عمل الرجل بيدهه وكل بيع مبرور. وقال عليه الصلاة والسلام: ما أكل أحد طعاما أفضل من أن يأكل من عمل يده وكان نبي الله داود يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام.
فالشريعة الإسلامية حبذت الكسب والعمل ودعت إلى الكسب والعمل وجعلت العامل أحق بكسبه وماله، وحرمت على الإنسان ذم أخيه وماله وعرضه إلا بحق. وهذا كله من محاسن هذه الشريعة وعظمتها أنها صانت أموال الناس وأعراضهم كما صانت أبشارهم ودماءهم وأمرتهم بالكسب وحثتهم عليه، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا أو كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان خرجه مسلم في صحيحه.
ولو ذهبت أذكر ما يتعلق بعظمة هذه الشريعة ومحاسنها ورعايتها لمصالح العباد في أمر المعاش والمعاد لطال بنا المقام كثيرا، ولكن هذه إشارة قليلة تكفي اللبيب في التعرف على عظمة هذه الشريعة ورعايتها لأحوال العباد ومصالحهم في الحاضر والمستقبل، ومن ذلك أيضا ما جاء في هذه الشريعة من الأمر بالتوبة، لأن فيها إصلاح الماضي والعافية من شره، وقد كان من توبة بعض الماضيين قتل النفوس، فرحم الله هذه الأمة وجعل توبتهم الندم والإقلاع والعزيمة على عدم العودة إلى السيئة مع رد المظالم إلي أهلها، هذا من إحسان الله ورحمته جل وعلا لهذه الأمة، وهذا من محاسن هذه الشريعة أن جعلت لك أيها الإنسان فرجا ومخرجا من ذنوبك وسيئاتك بالتوبة النصوح والاستغفار والرجوع إليه ïپ• والعمل الصالح.
ومن تأمل هذه الشريعة في مواردها ومصادرها ونطر ما جاءت به من الأحكام العظيمة العادلة والإحسان إلى الخلق ورعاية الفقراء والمحاويج والصغار والكبار وغيرهم حتى البهائم اعتنت بها الشريعة وحرمت ظلمها والتعدي عليها، عرف أنها شريعة من حكيم حميد خبير بأحوال عباده عليم بما يصلحهم، وعرف أيضا أنها من الدلائل القاطعة على وجوده ïپ‰ وكمال قدرته وحكمته وعلمه، وعلى صدق رسوله محمد ï·؛ وأنه رسول الله حقا.
وهكذا من نظر في ما جاءت به الشريعة من رعاية في أحوال العباد أغنيائهم وفقرائهم ملاكهم وعمالهم، حكامهم ومحكوميهم أفرادهم وجماعاتهم، قد راعتهم جميعا وجعلت لهم أحكاما مبنية على المصلحة والعدالة والإنصاف والإحسان والرحمة فهذه الشريعة كلها مصالح، كلها حكم، كلها هدى، كلها عدل، وكل شيء خرج من العدل إلى الجور ومن المصلحة إلى العبث ومن الرحمة إلى ضدها فليس من الشريعة في شيء وإن نسب إليها بالتأويل كما ذكر معنى ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله، فالشريعة كلها رحمة وعدل وحكمه، وكلها رعاية لمصالح العباد بعيدة عن العبث والظلم والمشقة.
ومن تأمل ما تقدم عرف ما أردته في الشق الثاني من عنوان هذه المحاضرة، وهو أن البشر في أشد الضرورة إلى هذه الشريعة لما اشتملت عليه من المصالح العظيمة وأنها راعت مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهيأت لهم السبل التي توصلهم إلى النجاة والسعادة، وبين ïپ‰ في كتابه أن شريعته صراط مستقيم، صراط واضح ومنهج قيم من استقام عليه نجا، ومن حاد عنه هلك، ومن تأمل هذا حق التأمل عرف أن هذه الشريعة كسفينة نوح ïپµ من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، فهكذا هذه الشريعة العظيمة من تمسك بها واستقام عليها نجا، ومن حاد عنها هلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يتضح للبيب أن العباد جميعا في أشد الضرورة إلى هذه الشريعة، لما فيها من حل مشاكلهم، ولما فيها من أحكام عادلة، ولما فيها من التوسط بين الاشتراكية الإلحادية الماركسية المنحرفة وبين الرأسمالية الغاشمة الظالمة، فهي وسط في كل شيء، وسط في اقتصادها بين اشتراكية الملحدين وماديتهم وبين، الرأسمالية الغاشمة التي لا حدود لها، فهي وسط بين طرفين، عدل بين جورين، وكذلك وسط في جميع أمورها لا تطرف في غلو ولا تطرف في جفاء، بل هي وسط في شأنها كله هذه الشريعة العظيمة وسط في الإنفاق والإمساك لا إسراف وتبذير ولا إمساك وتقتير، بل هي وسط بين ذلك، كما قال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء:29] وكما قال سبحانه في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنََ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].
فمن تأمل هذا الأمر وعني به عرف أنها دين ودولة، ومصحف وسيف، عبادة وحسن معاملة، جهاد وأعمال صالحة، إنفاق وإحسان وطاعة لله ïپ• والرسول ï·؛، توبة من الماضي وعمل للمستقبل فيها كل خير فهي جمعت خير الدنيا والآخرة، لا يجوز أن يفصل ديننا عن دنيانا ولا دنيانا عن ديننا، بل ديننا ودنيانا مرتبطان ارتباطا وثيقا في هذه الشريعة، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58] فهي حاكمة على الناس كلهم، على الأمراء وغير الأمراء، على الأفراد وعلى الجماعات، عليهم جميعا أن يكونوا تحت حكمها وتحت سلطانها في كل شيء، ومن زعم فصل الدين عن الدولة وأن الدين محله المساجد والبيوت، وأن للدولة أن تفعل ما تشاء وتحكم بما تشاء فقد أعظم على الله الفرية، وكذب على الله ورسوله وغلط أقبح الغلط، بل هذا كفر وضلال بعيد عياذا بالله من ذلك، بل جميع العباد مأمورون بالخضوع لأحكام الشريعة وتشريعاتها في العبادات وغيرها، ويجب على الدولة أن تكون منفذة لحكم الشريعة سائرة تحت سلطانها في جميع تصرفاتها، وعلى هذا سار النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وسار أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وسار عليه أئمة الإسلام بعد ذلك في كل شيء.
وقد جعل الله هذه الشريعة روحا ونورا وحياة للناس، وبهذا تعرف أنك في أشد الضرورة إلى هذه الشريعة، وأن البشر كلهم في ضرورة إليها، لأنها الحياة، ولأنها النور، ولأنها الصراط المستقيم المفضي إلى النجاة وما عداها فظلمة وموت وشقاء، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] فجعل من خرج عن الشريعة ميتا، وجعل من هدي إليها حيا، وجعل من أبى الشريعة في ظلمة وجعل من وفق لها في فوز وهدى، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] فجعل الاستجابة لله ولرسوله حياة، وجعل عدم الاستجابة موتا، فعُلم أن هذه الشريعة حياة للأمة وهي سعادة للأمة ولا حياة لهم ولا سعادة بدون ذلك.
وقال ïپ•: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِيي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] فجعل سبحانه ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام روحا للعباد تحصل به حياتهم ونورا تحصل به بصيرتهم ونجاتهم وسيرهم على الصراط المستقيم، فهذه الشريعة روح للأمة، بها حياتها وقيامها ونصرها، وهي أيضا نور لها تدرك به أسباب نجاتها وتهتدي به إلى الصراط المستقيم، والصراط المستقيم هو: الطريق الواضح الذي من سار عليه وصل إلى النجاة ومن حاد عنه هلك.
وقال ïپ‰: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فبين سبحانه أن من عمل العمل الصالح عن إيمان أحياه الله حياة طيبة سعيدة، وفي هذا إشارة إلى أن حياة الكفار الذين حادوا عن الشريعة ليست حياة طيبة بل حياة خبيثة، حياة مملوءة بالهموم والغموم والأحزان والمشاكل العظيمة والفتن الكثيرة، فهي حياة تشبه حياة البهائم ليس لأهلها هم إلا شهواتهم وحظهم العاجل، فهي حياة من جنس حياة البهائم بل أسوأ وأضل، لكونهم لم ينتفعوا بعقولهم التي ميزوا بها عن البهائم، كما قال جل وعلا: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] وقال جل وعلا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد:12].
هذه حياة من حاد عن الشريعة حياة في الحقيقة هي شبيهة بالموت لعدم إحساسهم بالواجب وعدم شعورهم بما خلقوا له، وهي حياة في ذاتها تشبه حياة البهائم لكون البهيمة لا هم لها إلا شهواتها وحظها العاجل، فهكذا الكافر المعرض عن الشريعة ليس له هم إلا شهواته وحظه العاجل، ولهذا شبه الله أهل الإيمان والهدى بالمبصرين والسامعين، وشبه من حاد عن الشريعة بالأعمى والأصم، وشبه من وفق إلى الشريعة بالحي وشبه من خالف الشريعة بالميت؛ وبهذا نعرف أيها الإخوة أن هذه الشريعة حياة البشر وسعادة البشر ونجاة البشر في الدنيا والآخرة، وأنهم في أشد الضرورة إلى اعتناقها والتزامها والتمسك بها لأن بها حياتهم ونصرتهم ونجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ولأن فيها الحكم بينهم بالحق وإنصاف مظلومهم من ظالمهم، ولهذا كانت هذه الشريعة العظيمة أعظم شريعة وأكمل شريعة، وكان البشر في أشد الضرورة إلى أن يعتنقوها ويلتزموها، ولا حل لمشاكلهم ولا سعادة لهم أبدا ولا نجاة للمسلمين مما وقعوا فيه اليوم من التفرق والاختلاف والضعف والذل إلا بالرجوع إليها والتمسك بها والسير على تعاليمها ومنهاجها.
وأسال الله ïپ• أن يوفقنا جميعا للفقه فيها والعمل بها، وأن يهدينا جميعا وسائر عباده للأخذ بها والسير على ضوئها والاهتداء بنورها إنه جواد كريم، كما أسأله ïپ• أن يصلح ولاة المسلمين جميعا، وأن يوفقهم للتمسك بهذه الشريعة والعمل بها والتحاكم إليها والحكم بها في كل شيء، وأن يعيذنا وإياهم من بطانة السوء ومن دعاة الضلال إنه على كل شيء، قدير وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[1].