الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فإنَّ الصلاة عماد الدِّين، والرُّكن الثاني من أركانه، وهي أوَّل ما يُسأل عنه العبدُ يوم القيامة، ولذلك وجب على المسلم أن يحرص على أدائها كما أَمَرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وبيَّن صفتها لأمَّته.
روى البخاري في صحيحه مِن حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي))[1].
وروى الطبراني في الأوسَط مِن حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِه العَبدُ يَومَ الِقيَامِة الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ))[2].
وهناك أخطاء يَقع فيها بعضُ المصلِّين أحببتُ التذكيرَ بها أداءً لحقِّ الله تعالى، وقيامًا بواجب النصيحة؛ فمِن ذلك:
أولًا: الصلاة بالثياب الضيِّقة أو البنطال الضيِّق، قال بعض أهل العلم: والمحذور في ذلك أن اللباس الضيِّق يجسِّم العورة، وهذا على العموم منهيٌّ عنه، فكيف إذا كان في الصلاة؟! قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
ثانيًا: الصلاة في الثياب الشفَّافة، فكما تحرم الصلاة في اللباس الضيِّق؛ لأنه يجسِّم العورة ويصِف شكْلها وحجْمها، فكذلك تَحْرُمُ الصلاة في الثياب الرقيقة التي تشفُّ عما وراءها مِن البدَن.
قال الفقهاء في شروط صحَّة الصلاة: مَبْحَث ستْر العورة، ويُشترط في الساتر أن يكون كثيفًا، فلا يُجْزئ الساترُ الرقيق[3].
وهذا يحدث في الصيف، نجد أن بعض الناس يلبس الثياب الشفافة مع السراويل القصيرة، ثم يصلِّي فيها.
ثالثًا: الصلاة في ملابس النوم أو "البيجامات" أو ملابس العمل، وقد تكون متسخة وبها روائح كريهة تؤذي المصلِّين، والسبب يعود إلى الكسل، فيتكاسل عن تغييرها، بينما لو أراد أن يَزُور مسؤولًا أو رجلًا له مكانته، لاستعدَّ لذلك، فربُّ العالمين أولى بالتجمُّل، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
رابعًا: الإسبال في الصلاة ويَشمل الثوب، و"البشت"، والبنطال، والإسبالُ منهيٌّ عنه على وجه العموم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مِرار، قال أبو ذر: خابوا وخسِروا، مَن هُم يا رسول الله؟ قال: ((اْلمُسْبِلُ، وَالْمنََّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ))[4].
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ))[5]، فإذا كان هذا الوعيد الشديد لعموم المسْبِلين، ففي الصلاة أشدُّ وأعظم، فقد روى أبو داود في سُننه مِن حديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِي صَلَاتِه خُيَلَاءَ، فَلَيْسَ مِنَ اللِه فِي حلِّ وَلَا حَرَامٍ))[6].
خامسًا: المواظبة على صلاة النافلة في المسجد، وهذا خلاف السُّنَّة، والمستحبُّ أن تكُون صلاة النافلة في البيت، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا))[7].
وروى مسلم في صحيحه مِن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مِسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِه مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا))[8].
وروى ابن ماجه في سُننه مِن حديث عبد الله بن سعد رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أيُّما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: ((أَلَا تَرى إلَى بَيْتي مَا أَقَرْبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ؟! فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمسَجْدِ، إِلَّا أَنْ تكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً))[9]، ولا بأس أنْ يصلِّي النافلة في المسجد أحيانًا، إلا أنَّ السُّنَّة الغالبة صلاتُها في البيت، وهو أفضل كما دلَّت على ذلك الأحاديث المتقدِّمة.
سادسًا: رفْع بعضِ المصلِّين أصواتهم في القراءة السرية أو في بعض أذكار الصلاة، وهذا يشوِّش على الباقين صلاتهم، وقد ورد النهيُ عن ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 110].
روى مالك في الموطأ مِن حديث البياضي رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرَج على الناس وهم يصلُّون، وقد عَلَتْ أصواتُهم بالقراءة، فقال: ((إِنَّ الْمصُلَّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرِ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرآنِ))[10].
سابعًا: إدخال بعضِ المصلِّين أجهزةَ الجوَّالِ إلى المساجد وبها نغمات موسيقيَّة، وهذه النغمات لا تجوز خارج المسجد، فكيف بالمسجد؟! قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
روى البخاري في صحيحه مِن حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوْامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالمْعَـَازفَ))[11].
وقد صدرتْ فتوَى مِن اللجنة الدائمة بتحريم النغمات الموسيقية الصادرة مِن هذه الجوَّالات[12]، ولا شك أنَّ إدخالها إلى هذه المساجد انتهاكٌ صريحٌ لحُرمتِها، إضافة إلى إيذاءِ المصلِّين، وإفسادِ صلاتهم، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
ثامنًا: الصلاة في الملابس التي فيها صوَر، والصوَر منهيٌّ عنها على وجه العموم، فكيف بالمسجد؟! روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ))[13].
وروى مسلم في صحيحه مِن حديث أبي الهياج الأسدي؛ أنَّ عليًّا رضي الله عنه قال له: ألا أبعثُك على ما بعثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ ((لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ، وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا))[14].
والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] ص137، برقم 631.
[2] (2/ 240) برقم 1859، وصحَّحه الشيخ الألباني في "الصحيحة" برقم 1358.
[3] انظر: المغني (2/ 286 - 287).
[4] ص68، برقم (106).
[5] ص 1132، برقم 5787.
[6] ص91، برقم 637.
[7] ص 104، برقم 432، وصحيح مسلم ص307، برقم 777.
[8] ص 307، برقم 778.
[9] ص 152، برقم 1378، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (2/ 190).
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحكك