اثير حلم تقوم الهزة الأرضية ـــ الزلازل ـــ من غفوتها جَائعةً مترنحةً، تسير هائمةً على وجهها على ظهر البسيطة. فتلقف من شدة الجوع أي شيء تلقاه متيسراً حولها.
تقوم الهزة الأرضية ـــ الزلازل ـــ من غفوتها جَائعةً مترنحةً، تسير هائمةً على وجهها على ظهر البسيطة. فتلقف من شدة الجوع أي شيء تلقاه متيسراً حولها. تلتهمه بلا شرطٍ، قد لا يروق لها ما تجد، بيدَ أنهُ على أقلّه سداً للرّمَق. فالمهم أن تشبع وتملأ جوفها الخاوي. ثم تتمطى متنفسةً من تخمة بعض ما قامت بابتلاعه. من المحتمل أنها تبلع شيئاً فوق قدرتها، لكنها تطفئ غضب الجوع والمخمصة.
الزلازل والبراكين الثائرة، تقوم من قمقمها منتفضة، فتجتاح الأرض، تقتل آلافاً، لكنها بانتفاضتها تلك، تحمي هذا الكون بما فيه من الانفجار، وكأن ذلك تنفيس من غضب. كذلك ابن الحلال كوفيدا، حين يمسكُ بعصا غليظة. يذكرني بعصا النبوت التي يمسك بطرفها لاعب الرقصة، وهو ينتوي الرقص والترويح عن النفس، في استعراض للقوة والفخر، والخيلاء والرجولةِ. يترآى ليا أن كوفيدا ابن الأرض يمسك عصاه من المنتصف، ويلوح بها يمنة ويسرى في تراوح دراماتيكي مهيب وعجيب. مريب في ذات الوقت، وكأني به يستغل الوقت تماماً، يقربه من الشيء وإليه ثم يبعده، استغلالاً ليس لمصلحته الخاصة، بل يعود نفعه ومصلحة لمن ينافسه . كأنما هو طفل بريء يلهو ويلعب لعبته المفضلة، ومن ورائه بندقية محشورة بالموت، وفي حنجرتها الضيقة الملتهبة سرب من لفافاتِ الرصاص.
لما يزل ابن الأرض كوفيدا، يلهو ضاحكاً ويلعب لعبته المخيفة مع الصغار والكبار، لعبة تناسب فضوله وخياله الواسع، وقد اختار مكان اللعبة وميدانها الرحبُ وفضائها الشاسعُ المناسب، بالضبط كلعبة اختفاء الأطفال وراء السواتر " الغميضة " حين يقوم الآخرون بالبحث عنه من وراء السواتر لاصطياده. وهو لا يدرك أبداً، أنهم من شدة غضبهم منه يريدون عقابه. ومع ذلك، هم مستمرون في مطاردته في كل مكانٍ، حتى في الممرات الواسعة والشوارع والأزقة الضيقة بهدف اصطياده لكنهم بكل أسف لا يدركوه، فيضع الجميع أمام أنفسهم في حرج كبير، فكيف أن ابن الأرض بخفة وزنهِ وظله ورشاقته ~ نظير تفيّلُ وَضخامةَ أجسامهم وقزمةَ أحلامهم، أستطاع أن يفلت من قبضتهم. ولما يزل كذلك يلهو بخفة ورشاقة، ويجري جري السحاب، ويضرب الأقفية، ويسخر من لاعبيه، ويضع عالم بأسره أمام آلاف الأحاجي والشائعاتِ والتناقضات الضائعة. وما من أحد يستطيع أن يمسك به أو يحاصره.
استطاع ابن الأرض كوفيدا أن يعطل الطاقاتِ والقدرات والإمكانات ــــــــ عدا عدم قدرته على تعطيل الحياة ــــــــ ومع ذلك قدم للعالم نظرة وأفكاراَ ومقوماتٍ ومكافآتٍ وخدماتٍ مبتكرةٍ من خلال الإنسان نفسه استفادت منها البشرية، هذا من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى هدد فعليا وضرب مصالح أباطرة العلو والغلو والاستبداد، ومرغ أنوفَ المستكبرين، وارهب طواغيت الفِكر في العالم قاطبة، وكان رؤوفاً رحيماُ بالمساكين والمستضعفين. ما أراها إلا هَدية وهِدايةً لأهل الأرض عَدالة ورحمةُ مِن السّماء.