تفسير قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}
قوله تعالى:﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ . قوله:﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾؛ أي: ولا تخلطوا الحقَّ بالباطل، بإظهار الباطل وتمويهه وترويجه في صورة الحق،
|
|
15-11-2022
|
|
تفسير قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}
قوله تعالى:﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42].
قوله:﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾؛ أي: ولا تخلطوا الحقَّ بالباطل، بإظهار الباطل وتمويهه وترويجه في صورة الحق، فيلتبس أحدهما
بالآخر، كما قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ﴾ [الأنعام: 137].
و"الحقُّ" الأمر الثابت، مِن حَقَّ: إذا ثبَتَ ووجب؛ أي: ولا تلبسوا الدِّينَ الحق، والقولَ الحق، وهو ما أنزله الله
على رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عندكم من العلم بذلك.
﴿ بِالْبَاطِلِ ﴾ الباطل ضد الحق، وهو الأمر الزائل، الضائع، الزاهق المضمحل، كما قال تعالى:
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].
والمراد بـ "الباطل" هنا تكذيبُهم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإنكارهم شهادة كتُبِهم بصدقه
وزعمهم أنه خاصٌّ بالعرب ونحو ذلك، وما هم عليه من الدِّين المحرَّف.
وأكثر ضلال مَن ضلَّ مِن الخلق بسبب تلبيس شياطين الجن والإنس عليهم الحقَّ بالباطل، فالذين أعرَضوا
عن دعوة الرسل بسبب التلبيس عليهم بأنهم سحَرة أو مجانين أو نحو ذلك، كما قال تعالى:
﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].
والذين عبَدوا الأصنام من قوم نوح بسبب تزيين الشيطان لمن قبلهم نَصْبَ تصاوير أولئك الصالحين
بحُجَّةِ التقوِّي على العبادة، ثم ما لبث الناس أنْ عبَدوهم.
والذين ارتدُّوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ومنَعوا الزكاة احتَجوا بأنهم كانوا يدفعونها لرسول الله
صلى الله عليه وسلم طاعةً له، قالوا: ليس علينا طاعةٌ لأحد بعده.
والذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه واستباحوا دمه ودماء المسلمين، قالوا: لا حكم إلا لله
ولهذا ردَّ عليهم عليٌّ رضي الله عنه بقوله: "كلمةُ حقٍّ أُريدَ بها باطل"
ومن أعظم تلبيس الحقِّ بالباطل ما يكتبه أولئك الذين يخوضون في كثير من القضايا والمسائل الشرعية في كتاباتهم
في الصحف والمجلات والمواقع على الإنترنت، أو في مقالاتهم المسموعة عبر الإذاعات وعلى الشاشات
ويجادِلون ويناقِشون، مع قلة بضاعتهم، بل وعدم تخصصهم، لا لشيء إلا لإثارة البلبلة، وتشكيك الناس حتى في ثوابت دينهم
فتجدهم يطنطنون حول حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحجابها، وعملها، وقيادتها للسيارة، وتعدد الزوجات
والطلاق، والميراث، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك.
وصدق الله العظيم: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].
وكأنهم يريدون أن يشرِّعوا مع الله، وكان الواجب على أمثال هؤلاء أن يعرِفوا قدرهم، وأن يُعطُوا القوسَ باريَها
فإن الكلام في مسائل الدين توقيعٌ عن ربِّ العالمين، كما أن مسائل الطبِّ وقضاياه لا يتكلم فيها إلا المتخصصون في طب الأبدان
فمن باب أَولى يجب ألا يَتكلَّمَ في مسائل الشرع وقضاياه إلا المتخصصون في علم الأديان، ولكن كما قال الله عز وجل:
﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ [المائدة: 41]
وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [فاطر: 8].
وقد أحسن القائل:
يُقضـى على المرء في أيامِ مِحْنَتِهِ ♦♦♦ حتى يَرى حسنًا ما ليس بالحَسَنِ
وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((مِن حُسنِ إسلام المرء تركُه ما لا يَعنيه))
وقال صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك))
﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ﴾: الواو: عاطفة، فالجملة معطوفة على قوله: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 42]
فالفعل "تكتموا" مجزوم بما جُزِم به "تلبسوا" أي: ولا تكتموا الحق، فنهاهم عن كتمان الحق، كما نهاهم عن لبسِ الحق بالباطل.
ويحتمل أن تكون الواو "واو" المعية، فيكون الفعل "تكتموا" منصوب بأنْ مضمرة؛ لأن لبس الحق بالباطل يستلزم كتمانَ الحق.
أي: وأنت تأتي مثله.
قال ابن القيم[7]: "وقد اختُلِف في قوله: ﴿ وَتَكْتُمُوا ﴾ هل هو منصوب أو مجزوم على قولين مبنيَّينِ على "الواو":
هل هي "واو" عطف أو "واو" صرف؟ فمن جعلها "واو" عطف قال: النهي تعلَّق بكل واحد من الأمرين على انفراده، ولو كانت "واو"
صرف لكان المنهيُّ عنه جمعَهما لا أفرادهما، ومن جعلها "واو" صرف قال: لبس الحق بالباطل مستلزمٌ لكتمانه
كما يكتم الحق من لبسه بما يستره ويغشيه، فهما متلازمان لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر، فالنهي عن أحدهما نهيٌ عن الآخر بطريق اللزوم
ففي كون الواو "واو" جمع إفادةُ هذا المعنى، وإن كتمان الحق ملازم للبسه بالباطل لا ينفك عنه، ولا يمكن إيقاع أحدهما
إلا بالآخر، وهذا شأن كل متلازمين، وهذا القول أمْيزُ من الأول وأعرب".
ومعنى: ﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ﴾؛ أي: وتُخفُون الحق، وهو ما عندكم من المعرفة والعلم بصدقِ محمد صلى الله عليه وسلم
وما جاء به، وما في كتبكم من الشهادة بصدقه.
﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: الجملة حالية؛ أي: والحال أنكم تعلمون أن ذلك حقٌّ، وتعلمون حقيقة صنيعكم
وأنه لبس للحق بالباطل؛ ولهذا وبَّخهم الله تعالى، وأنكَر عليهم هذا في سورة آل عمران، فقال تعالى:
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 71].
وصدور المعصية والمخالفة من العالِم أشدُّ وأعظم، وآكَدُ في النهي والتحريم؛ لأن الله أخذ الميثاق على أهل العلم
من أهل الكتاب وغيرهم، وأوجَبَ عليهم بيان الحق وإظهارَه، وحرَّم عليهم لبس الحق بالباطل، وكتمان الحق وإظهار الباطل
كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران: 187].
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »
_ الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم.
jtsdv r,gi juhgn: V,gh jgfs,h hgpr fhgfh'g ,j;jl,h ,Hkjl jugl,kC julg,k juhg[ ,lh V,lh
jtsdv r,gi juhgn: V,gh jgfs,h hgpr fhgfh'g ,j;jl,h ,Hkjl jugl,kC jgfs,h fhgfh'g julg,k jugl,kC juhg[ juhgn: jtsdv ,lh ,Hkjl ,j;jl,h
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ - وَرد. على المشاركة المفيدة:
|
|
16-11-2022
|
#2
|
16-11-2022
|
#3
|
جميل ورائع ومميز ماقدمته لنا
دام لنا قلمك وعطائك الجميل والرائع والمتميز
دمت بحفظ الله
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-11-2022
|
#4
|
.،
جزاك الله خير
وجعله في موازين حسناتك
وانارالله دربك بالايمان
ماننحرم من جديدك المميز
امنياتي لك بدوام التألق والابداع
دمـت بحفظ الله ورعايته
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-11-2022
|
#5
|
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-11-2022
|
#6
|
-
همسات
إزدان مُتصفحي بتشريفك
لك جنائن الورد.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-11-2022
|
#7
|
-
غنج
إزدان مُتصفحي بتشريفك
لك جنائن الورد.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-11-2022
|
#8
|
-
قلب
إزدان مُتصفحي بتشريفك
لك جنائن الورد.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-11-2022
|
#9
|
-
غيمه
إزدان مُتصفحي بتشريفك
لك جنائن الورد.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-11-2022
|
#10
|
جزاك الله خير على الطرح
و جعله الله فى ميزان حسناتك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الكلمات الدلالية (Tags)
|
الحق, تلبسوا, بالباطل, تعملون, تعلمون}, تعالج, تعالى:, تفسير, وما, وأنتم, وتكتموا, {وما, قوله |
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
| | | | | | | | | |