19-10-2023
|
|
خطبة: الحذر من فتنة الولد
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له
وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]، أما بعدُ:
أولادنا نعمة من الله سبحانه وتعالى، وهم زينة الحياة الدنيا، وهم معونة ورِدْء وعون لنا في الشدائد والكرب، وراحة نفسية
وقرة عين عند استقامتهم ونضوجهم وصلاحهم؛ لكنهم أيضًا شقاء ونقمة، وبلاء وفتنة، ومسؤولية ثقيلة، وهَمٌّ بالليل والنهار
وقلق وألم؛ إن هم انحرفوا، وتنكبوا الجادة، وعصوا ربهم، واتبعوا الشهوات، وقعدوا عن الإيجابية.
يقول الغزالي: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نُقِش عليه
ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإن عوده خيرًا وعلَّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عوَّدَه شرًّا
وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القائم عليه".
يا عباد الله، ومعنى كلام الغزالي رحمه الله: أن القائم على تربية الأولاد إذا كان صالحًا ومصلحًا؛ فالولد يكون من باب الزينة
ويخرج من دائرة الفتنة إلى دائرة النعمة، وإن خالف المربي التربية السليمة كان الولد داخلًا في دائرة الفتنة.
أيها المسلمون، لقد حذَّر الله أهل الإيمان من فتنة المال والولد، وأخبرهم أن من أولادهم وأزواجهم من هو عدوٌّ لهم، وذلك في قوله سبحانه:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 14-15].
فعداوتهم لكونهم ربما أبعدوا المؤمن عن سبيل ربه، ودفعوه إلى الشهوات، والارتكان للدنيا ومحبَّاتها، والمراد بهذه العداوة أن الإنسان
يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على الخطأ، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم، فالأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة
عن ذكر الله، كما أنهم قد يكونون دافعًا للتقصير في السنن والواجبات؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ
أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].
يا عباد الله، كم من الآباء والأمهات من انشغل بالأبناء والبنات عن أداء الواجبات الشرعية؛ كالصلاة وصلة الأرحام، وعن طلب العلم الشرعي
وقد لا يأمرهم بالواجبات الشرعية؛ بل وقد يسهل عليهم الحصول على ما حرم الله، ويقرهم على فعل القبيح، ويُعادي بسببهم الأقارب والجيران
وقد يكسب المال من حرام من أجل إسعاد أولاده، وهذه من أخطر الصور وأضرها على المرء، وعلى أهله وأولاده؛ لهذا عندما رأى
رسولنا صلى الله عليه وسلم الحسنَ يُلقي تمرةً من تمر الصدقة المحرمة في فِيْه، قال له: ((كخ كخ)) حتى ألقاها، وعندما علم أبو بكر
أن غلامه تكهَّن وأتاه بطعام تقيَّأه بعدما أدخله في فِيْه، وقال: لو لم يخرج إلا مع نفسي لأخرجته.
نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولِي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم
ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
____________________________________
الخطبة الثانية الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، أما بعد:
إن تربية الأولاد على المنهج السليم والصراط المستقيم ليس بالأمر الهيِّن، وخاصة في عصر الفتن، فلا بد من التوجيه
والنصح والتعليم، والمتابعة بأساليب الرحمة والرفق واللين، وإعطائهم الوقت الكافي للتربية.
يا عباد الله، إن من الواجبات التي أمر الله تعالى بها الوالدين، وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وقاية الأولاد من النار؛ يقول الله تعالى
في القرآن الكريم: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]
وفي تفسير الإمام الطبري لقوله تعالى: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: علِّموا مَن تعرفونه ما يقيه من نار جهنم من طاعةٍ لله تعالى ورسوله
وعلِّموا أنفسكم أيضًا من الطاعات ما تقون به أنفسكم".
فلنتَّقِ الله يا عباد الله في أولادنا، ولنُحسِن إليهم وفقًا لما أمر الله سبحانه به، ولنتوسَّط في حبهم، ولنقدم محبة الله سبحانه
وواجباته على محبتهم وواجباتهم، ولنستدعي الحكمة في سلوكياتنا تجاههم ومعهم، وفيما يخصهم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على نبيكم؛ استجابةً لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]
اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم.
o'fm: hgp`v lk tjkm hg,g] l, o'fm
o'fm: hgp`v lk tjkm hg,g] l, hgp`v hg,g] o'fm o'fm: tjkm
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|