العلاقة الزوجية بين الجهل والتسيب
أ. د. فؤاد محمد موسى
من الأمور التي تُدمي القلوب، وتقطع الأرحام، وتُشرِّد الأبناء، وتُفتِّت الأُسَر، وتشغل عن تأدية الواجبات، وقد تُؤدِّي إلى الجريمة، وسفك الدماء، وعدم البركة في الرزق، وتهدم الأُمَم، ألا وهي سوء العلاقة الزوجية، إما لجهل أو تسيُّب فيها.
فأكثر الخلافات الزوجية، وارتفاع نسبة الطلاق، راجع في معظمه إلى جهل كلا الطرفين - الزوج والزوجة - بما عليهم، وما هو لهم من الطرف الآخر؛ فقد استوقفني قول الله: ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 230] في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 230]، والجهل بهذه الحدود الزوجية ﴿ حُدُودَ اللَّهِ ﴾ هو الأساس في كل هذه المشاكل.
وقد راعني جدًّا عند مشاهدة البرامج الدينية التي تتعلَّق بالأسرة كثرةُ شكوى الأزواج من زوجاتهم بالتمنُّع والتعلُّل بأسباب واهية؛ لكيلا يلبِّينَ طلب أزواجهن للفراش، أو هجر الرجال لأزواجهنَّ وإهمال حقوقهنَّ الزوجية.
إن جهل الكثير بأن الزواج عبادة، وله حدوده الربانية، والتسيُّب الذي يسري في بيوت الكثير من الأُسَر؛ مُسايرةً لما يُسمَّى التطوُّر والتحضُّر كما يشاهدونه في وسائل الإعلام، وما يُسمَّى التواصُل الاجتماعي - لهو الكارثة التي تُدمِّر الكيان الأسري.
وكوني أستاذًا تربويًّا، وباحثًا علميًّا، ومفكِّرًا إسلاميًّا، شعرت بهذه المشكلات بين كثير من الشباب المتزوِّج؛ لأنهم يجهلون الكثير ممَّا عليهم تجاه زوجاتهم، مثال ذلك فيما جاء ببعض آيات القرآن الكريم: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، في هذه الآية الأمر بالإتيان بعد التطهُّر مباشرة، انظر قوله تعالى: ﴿ فَأْتُوهُنَّ ﴾؛ الفاء تدلُّ على الترتيب بعد الطهارة، وبعدها فِعل أمر الإتيان، ومما يؤكِّد أكثر قوله تعالى: ﴿ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾، إنَّها أوامر إلهية، هذا الأمر يغفل عنه الكثير؛ لأنَّ مخالفته تُسبِّب ضررًا بالغًا للزوجة دون أن يدري الزوج، إنها تكون في قمَّة حاجتها لزوجها؛ للرغبة العارمة لديها في ذلك الوقت، والتي جعلها الله بعد الحيض من أجل الإنجاب، إنها الفِطرة التي يَسمو بها الإسلام ولا يكبتها، وإغفال هذا الأمر يُسبِّب مشاكل زوجية عديدة، ولا تبوح الزوجة بذلك، وتكون تصرُّفاتها غير منضبطة، ولا يعرف أحدٌ السببَ، وتدور المشاكل داخل الأسرة في دائرة مغلقة.
والذي نفسي بيده ما سألتُ شابًّا متزوِّجًا إلَّا ووجدته يجهل ذلك ويتعجَّب، وبعد بيان هذه المعاني بالآية إلا ويقول: الآن فهمت لماذا كانت مشاكلي مع زوجتي.
إن سبب تمنُّع الزوجة عن زوجها سببه كثرة ما عانت من هذا الإهمال من الزوج، فيتولَّد لديها دون أن تدري ردُّ فعل عكسي تُجبر به زوجها لتُذيقه ممَّا ذاقته منه دون أن تدري خطورة ذلك على تدمير حياتهما الزوجية.
والسبب الآخر هو التسيُّب الذي اجتاح بعض الأزواج من الطرفين بمشاهدة وسماع وقراءة ما يُنشر بوسائل النشر، وتفاني شياطين الإنس في نشر ما يُدمِّر الحياة الزوجية؛ بل يدمِّر كل الشباب، فأصبح من المتاح لكل فرد بنقرة واحدة أن يشاهد كل المحرَّمات؛ بل إن هذه المحرَّمات تُلاحق كل مستخدم للأجهزة الحديثة ليقع فيها لمشاهدتها.
إن هذا بلاء من الله ليختبر إيماننا، ففي كل عصر له اختباراته: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 94]، فليس عاصم من ذلك إلا خشية الله في الغيب، فهو اختبار للمؤمن على قوَّة إيمانه.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]، ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
وقد نصحنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ﻷعلمَنَّ أقوامًا من أُمَّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا))، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جَلِّهم لنا أﻻ نكون منهم ونحن ﻻ نعلم؛ قال: ((أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون؛ ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))؛) رواه ابن ماجه).
أيها الشاب المسلم، أين أنت من هذا؟ اتقِ الله في الغيب، يحفظك ويحفظ بيتك وأهلك، لا تهتك ستار ربِّك عنك، فكل ما تنظر إليه ستراه في كتابك، محفوظ في حافظتك كما تعمل الحفظ على جهازك الذي معك، ثم يقول لك ربك يوم القيامة: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 14].
فترى نفسك تشاهد كل ما شاهدت في هذه المواقع المحرَّمة أمام ربِّ العزة، وكله منشور على الملأ يوم القيامة إلا من تاب وستر الله عليه: ﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]، اللهم اعصم شباب المسلمين من هذه الفتن، وعلمهم حدودك، ورقِّق قلوبهم لطاعتك
hgughrm hg.,[dm fdk hg[ig ,hgjsdf
hgughrm hg.,[dm fdk hg[ig ,hgjsdf hg.,[dm hgughrm fdk