أما التماثيل البرونزية الكثيرة ومن كل العصور فتشهد على مهارة الإتروسكيين في معالجة البرونز وسكبه، ومعظمها من الحجم الصغير المقدم نذوراً وتمثل محاربين أو نساء أو آلهة، ومنها ما هو بالحجم الطبيعي أو على هيئة حيوان. ولكن ثمة خلاف حول من صنع تمثال الذئب الكبتولي (نحو 500 ق.م) وتمثال شمايرا (ق5- 4 ق.م) وهل هم من الإتروسكيين أم من الإغريق في إترورية.
التصوير
صور الإتروسكيون رسومهم على جدران الأضرحة وسقوفها إما مباشرة أو بالجص. وقد عثر في مقبرة تركويني على الكثير من اللوحات الجدارية السليمة كما عثر على لوحات أخرى في فولتشي وفيي وكلوسيوم وآرتيوم. ومعظم الصور الإتروسكية باهتة اللون كامدة ومخططة بالأسود، وبشرة الرجال تضرب إلى الحمرة أما بشرة النساء فبيضاء. وثمة لوحة موجودة في ضريح الثيران (نحو 530 ق.م) تمثل أحد مشاهد حرب طروادة وتصور «أخيل» وقد كمن لأمير طروادي يدعى ترويلوس على صهوة حصان أسطوري طويل. ولكن معظم لوحات الأضرحة القديمة تصور الحفلات والمآدب الجنازية للنبلاء الإتروسكيين، مثل لوحات ضريح أورغوس (أواخر القرن 6ق.م) التي تصور مشهد مصارعة ونوعاً من قتال المجالدة يبدو فيه أحد الرجال وقد ألبس كيساً على رأسه ويهاجمه كلب يثيره شخص آخر. أما اللوحات التي تعود إلى العصر الهليني فيطغى عليها التشاؤم والقسوة كما يبدو في لوحات ضريح فرانسواز في فولتشي (أواخر القرن 4 ق.م)، وهي تصور أحداث الحروب الإتروسكية وذبح الأسرى الطرواديين، وكما يبدو من تكرار تصوير شيطان الموت الوحشي «توشولكا» بوجهه الأزرق المخيف، وإلهة الموت «لاسي» وإله الجحيم «شارو» وهم يرافقون الميت إلى عالم الجحيم المظلم.
الفخار
تبين مصنوعات الفخار التي عثر عليها في تركويني وكايري وفولتشي وغيرها مستوى الإتروسكيين الحضاري، وربما استورد الإتروسكيون الفخار المزين بالرسوم من بلاد الإغريق بكميات كبيرة منذ القرن الثامن أو أنهم نسخوا عنه مصنوعاتهم. ويحمل الخزف الملون من القرن السابع ق.م سمات الأسلوب الكورنثي الأول بألوانه السوداء التي تزين الزهريات وزجاجات العطر والأباريق وغيرها، وأما ما يعود منها إلى القرن السادس ق.م فيغلب عليه الأسلوب الأثنيي بألوانه الحمراء بعد عام 525 ق.م ولكن المنتجات الإتروسكية لم تبلغ النماذج الإغريقية في مستواها.
العمارة
تعد المعابد الإتروسكية، التي لم يبق منها أي أثر كامل، خير مثال على ما بلغه فن العمارة عند الإتروسكيين وربما كانت المعابد الأولى مبنية من الآجر المجفف بالشمس ومن الخشب، ولم تظهر المعابد المبنية من الحجارة المربعة وفق طراز مميز إلا في القرن السادس ق.م، وهي تكثر في فيي وسيفتيا وكاتسيلانا وأورفيتو وغيرها، وهي مشيدة على نمط المعابد الإغريقية ضمن سياج مسور، إلا أن اتجاه المعبد شمالي جنوبي وفقاً للتقليد الديني الإتروسكي، ويقام فوق مصطبة عالية، وهو مستطيل الشكل، أرضه من الحجر، وله رواق معمد واحد عميق يصعد إليه على درج، ولايمكن دخوله إلا من أمام، وله صفان من الأعمدة، وهي إما ملساء خالية من الزخرف وتستند إلى قاعدة مستديرة ويعلوها تاج توسكاني الطراز، أو مخددة ذات تيجان على النمط الإغريقي، وسقف المعبد على هيئة جملون بسطحين مائلين وواجهة مثلثة ومغطى بالقرميد، وعلى حافتيه ساترات فخارية بأشكال زخرفية أو رؤوس مخلوقات عجيبة، ومثلها أشكال فخارية تستر رؤوس الجسور الخشبية التي تؤلف هيكل السقف. أما جبهة المعبد العليا المثلثة فيغطيها نحت بارز فخاري ملون، وفي العهد الهليني (ق 4 ق.م) غطت المشاهد الملونة واجهات المعبد، وينفتح الرواق على ثلاث حجرات هياكل تحتوي على تماثيل ثلاثة من الآلهة، والوسطى منها هي الأكبر. وعلى الرغم من الشبه الكبير بين المعبدين الإتروسكي والإغريقي فالخلاف بينهما واضح في المواد المستعملة في البناء وفي الزخارف والنسب بين عناصر البناء. وقد اقتبس الرومان في تشييد معابدهم الكثير من قواعد البناء الإتروسكي، وخير مثال على ذلك معبد جوبتر الضخم في كبتول رومة الذي شيد عام 509ق.م، وتزعم المصادر أن النحات الإتروسكي فولكا من مدينة فيي هو الذي نحت تمثال زيوس فوق قوصرة معبد جوبتر، والذي يمثله واقفاً فوق عربة تجرها أربعة جياد. ولاتزال بعض آثار القوصرة قائمة إلى اليوم.
أما المساكن الإتروسكية فتدل الحفريات على وجود قصور للنبلاء تتألف من باحة داخلية تحيط بها الغرف والقاعات، وإلى جانبها بيوت للعامة موحدة البناء تتألف من غرف ثلاث ومدخل.
ويبدو أن الإتروسكيين اقتبسوا بناء العقود والقباب من موطنهم الأصلي ومن بحر إيجة. وقد وجدت مدافن من القرن السادس ق.م مسقوفة بنوع من الأقباء يدعى جشوة (مصطبة tamulus) وهي فردية أو أسرية تسمى «البيت - المقبرة» وقد طورت هذه المدافن فيما بعد فصارت تضم ممراً أو بهواً صغيراً تجتمع حوله غرف الدفن. وكانت مدافن النبلاء من الإتروسكيين تميز من غيرها بواجهاتها المعمارية المقتبسة عن المعابد الهلينية مع استعارات محلية.
المدينة الإتروسكية
دمر الرومان جل المدن الإتروسكية، ثم درستها أحداث القرون اللاحقة فلم يبق من آثارها إلا النادر. وكان يعتقد أن المدن الإتروسكية القديمة كانت عشوائية البناء على نمط التجمعات الزراعية، ولكن الحفريات في بومبي كشفت عن مدينة إتروسكية منظمة من القرن السادس أو السابع ق.م يقوم بنيانها حول شارع عريض يؤلف شريانها الرئيس، ويمكن القول إنها كانت منظمة وفق مخطط الشوارع المتعامدة. ثم صار للمدن الإتروسكية في العصر الهليني بوابات ضخمة مزينة بمنحوتات، وظلت هذه البوابات مألوفة إلى ما بعد السيادة الرومانية حتى قيل إن قوس النصر الروماني لايخرج عن كونه بوابة إتروسكية معدلة. وقد سبقت الإشارة إلى أن أشهر المدن الإتروسكية وأكثرها ازدهاراً، وما بقي من أسوارها ومدافنها ومعابدها أكبر شاهد على حضارة شعب حير العلماء والمؤرخين أصله ومنشؤه.