على حين غفلةٍ والبشرية غارقة في دنياها الفانية يعمهون، متناسين التحذير الإلهي المنذِر لمثل هذه الأهوال المنتظمة على وقع انفراط انتظام الكون واختلاله؛ إذ يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الفَزَعِ؛ فإذا بالشمس تتكوَّر، والسماء تتفطَّر وتنشقُّ، وتكون واهية كمثل الوردة المدهونة بالألوان، ونجومها مطموسة قد انمحى ضوؤها وتناثرت، وتقع الجبال على وجه الأرض بعد نسفها من أماكنها، وتتفجر البحار تفيض نيرانًا مسجورة قد ذهب ماؤها، ويذْهَل أهل الإبل العِشار عنها فيتركونها ولا يصلون إليها لِهَوْلِ ما يَرَون، وتتجمع الوحوش وجميع البهائم والدواب في محشر واحد، ويرى الناس تلك القبور وهي تتبعثر، والأرض تندكُّ وتتزلزل وتنشق لتُخْرِجَ ما تحويه في جوفها من الكنوز والموتى، فيجيء الرجل وقد قُتل لأجل الذهب والفضة، فيقول: لأجل هذا قُتلت، ويجيء قاطع الرحم فيقول: لأجل هذا قطعت رَحِمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثم يَدَعُونه ولا يأخذون منه شيئًا، ثم تضطرب الأرض وتقوى زلزلتها، وينخلع قلب الإنسان لتبدُّلِ أحوال الأرض من سكونها واستقرارها إلى اضطرابها وزلزلتها، وتذْهَل كلُّ مرضعة عن رضيعها، وتُسقِط كلُّ ذات حمل حملها، ويضطرب الناس كأمثال السُّكارى وما هم بسُكارى، ولكن عذاب الله شديد، ويتسائلون: ما لها؟ أي: الأرض، ما بها؟ وتأتيهم الإجابة: أوحى إليها ربها لتُحدِّث عن أخبارها، وعن جرائم وفظائع الإنسان الذي سكن الأرض على ظهرها، وأكل وشرب مما يخرج من جوفها وباطنها، ولم يتَّعِظْ من حقيقة الموت.
ونسوق الآن بعض الآيات التي استلهمنا منها هذا العرض الموجز؛ قال الله تعالى: ï´؟
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ï´¾ [الحج: 1، 2]، وقال سبحانه: ï´؟
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ï´¾ [الرحمن: 37]، وقال الله تعالى: ï´؟
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ï´¾ [المرسلات: 8 - 10]، وقال سبحانه: ï´؟
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ï´¾ [التكوير: 1 - 6]، وقال جل شأنه: ï´؟
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ï´¾ [الانفطار: 1 - 4]، وقال عز وجل: ï´؟
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ï´¾ [الانشقاق: 1 - 5]، وقال الله تعالى: ï´؟
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ï´¾ [الزلزلة: 1 - 5].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض خَلَقَ الصُّورَ، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فِيهِ، شاخصٌ ببصره إلى العرش ينتظر حتى يُؤمر، قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصور؟ قال: قَرْنٌ، قال: فكيف هو؟ قال: قرن عظيم يُنفَخ فيه ثلاث نفخات؛ النفخة الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا ما شاء الله، ويأمره فيُديمها ويُطوِّلها ولا يفتُرُ، وهي التي يقول الله عنها: ï´؟
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ï´¾ [ص: 15]، فيُسيِّر الله الجبال فتكون سرابًا، وتُرجُّ الأرض بأهلها رجًّا؛ وهي التي يقول عنها الله: ï´؟
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ï´¾ [النازعات: 6 - 8]، فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر، تضربها الأمواج تكفأُ بأهلها، أو كالقنديل المُعلَّقِ بالعرش ترجِّحه الأرواح، فتميد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتيَ الأقطار، فتلقَّاها الملائكة، فتضرب وجوهها، فترجع، ويولِّي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضًا؛ وهو الذي يقول الله: ï´؟
يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [غافر: 32، 33]، فبينما هم على ذلك إذ انصدعت الأرض من قطرٍ إلى قطرٍ، فرأوا أمرًا عظيمًا، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء، فإذا هي كالمهل، ثم خسف شمسها، وخسف قمرها، وانتثرت نجومها، ثم كُشطت عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك، قال أبو هريرة: فمن استثنى الله حين يقول: ï´؟
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ï´¾ [النمل: 87]؟ قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله شر ذلك وأمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شِرارِ خلقه، وهو الذي يقول الله: ï´؟
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ï´¾ [الحج: 1، 2]))؛ [رواه الطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم].
هذه نُبذة يسيرة من الأهوال والأحداث ليوم
القيامة سُقناها تذكرة وعِظةً؛ علَّنا نعود إلى مراجعة أنفسنا، فننتشلها من غفلتها، نسأل الله تعالى ألَّا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ونرجوه أن يأخذ بنواصينا إلى مرضاته، والحمد لله رب العالمين.