إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن الله سبحانه وجَّه المؤمنين إلى أن يحفظوا ألسنتهم عن لغو الكلام، وألَّا يقولوا إلا خيرًا، وامتدحهم على ذلك، وجعل حفظ اللسان علامةَ إيمانٍ وبرهانٍ واستقامةٍ.
وفي المسند أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه"[1].
وفي الترمذي عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، وتقول: ننشدك الله فينا، إنك إذا استقمت استقمنا، وإن اعوججْتَ اعوجَجْنا»[2].
تكفر اللسان: تذل وتخضع له.
وإن حفظ اللسان عباد الله دليل على زكاء النفس، وطهارة القلب، وكمال العقل، وإن إيمان العبد يدفعهإلى خير الكلام إذا نطق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»[3].
ومن الحزم والرشد عباد الله أن يحفظ المرء لسانه من كل ما لا نفع فيه في أمر دينه أو دنياه، وليتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «هل يكبُّ الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائدُ ألسنتهم»[4].
وعن سفيان الثقفي رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: «قل ربي الله، ثم استقم»، قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: «هذا»[5].
عباد الله، إن المرء إذا أطلق لسانه وقع في آفات اللسان من كذب وغيبة ونميمة وبهتان، ووقع في سب وشتم وفحش من قول وطعان، وأقلها أن يقع في لغو الكلام الذي يذهب الأوقات، ويمحق بركة الأعمال والأعمار: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحش ولا البذيء»[6].
وقال عليه الصلاة والسلام: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم»[7].
فحفظ اللسان عباد الله أصل في الديانة والاستقامة، أصل في حفظ الحسنات، أصل في حفظ الصيام.
كان السلف رحمهم الله يشغلون أنفسهم في الطاعات حال صومهم من قراءة وذكر لله تعالى وأعمال صالحة تحقيقًا لمقاصد الصيام وعناية بأعمالهم واحتياطًا لدينهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش»[8].
وقال عليه الصلاة والسلام: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»[9].
سلك الله عز وجل بي وبكم طريق مرضاته، اللهم استعملنا لطاعتك، وجنِّبْنا معصيتك، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، اتقوا الله عباد الله، واعملوا بطاعة الله، واعلموا أنكم ملاقو الله، فقدموا لأنفسكم ما يقربكم إلى الله والجنة، ويباعدكم عن سخطه والنار.
ثم اعلموا عباد الله أن هناك من المجالس والمنتديات ووسائل إعلام مختلفة ومتنوعة وبرامج كثيرة زاخرة فيها من كثرة الكلام ولغو الكلام وفضول الأقوال، وفيها ما فيها من الطعن في الأعراض والذمم، وفيها من المشاحنات والمخاصمات والسباب والمجادلات:
﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114].
نسأل الله عز وجل أن يعاملنا بلطفه، وأن يعاملنا بما هو أهله، إنه سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة.
[1] أخرجه أحمد (13048).
[2] أخرجه الترمذي (2407).
[3] أخرجه البخاري (6138)، ومسلم (47).
[4] النسائي في ((السنن الكبرى)) (11394).
[5] أخرجه أحمد (11354).
[6] أخرجه الترمذي (1977).
[7] متفق عليه.
[8] ابن ماجه (1690).
[9] البخاري (1903).