03-01-2023
|
#11
|
![](https://www.a-al7b.com/vb/Hajj.Mabroor-al7b2024/lkab/29.gif)
![](Hajj.Mabroor-al7b2024/rtab/10.gif) ![](Hajj.Mabroor-al7b2024/rtab/10.gif)
(9)
جمعت الشرفة المطلة على النيل الصديقات الثلاث: عليات عبده وسنية أنور ومنى زهران. وكان الخريف يبث في الجو برودةً لطيفة، ويزين سماء الأصيل بسحبٍ ناصعة البياض. وقد لبت عليات وسنية دعوةً عاجلة إلى مسكن منى بالمنيل، فتوقعتا أخبارًا جديدة وسعيدة. وهن صديقات حميمات منذ الدراسة الثانوية، وتمتاز منى بجمالٍ رائق يتمثل في بشرتها الضاربة للبياض وعينيها السوداوين الجذابتين، وقامتها الرشيقة المائلة للطول، كما تمتاز بأسرتها المتوسطة ذات الدخل الموفور — الأب مدير إدارةٍ قانونية، والأم ناظرة مدرسة متقاعدة باختيارها — فضلًا عن أنها موظفة بالسياحة منذ عام. وكان لها شقيقان أحدهما مهندس في بعثة بالاتحاد السوفيتي، والآخر طبيب بالمنوفية، ويتوقع اختياره في بعثةٍ قريبة، ولذلك كانت طموحة تداعبها الأحلام ولا تستقر. وكان مسكن منى يذكر عليات وسنية بمسكن الأستاذ حسني حجازي، رغم الفارق المحسوس بينهما، ولكن الحسد لم يتسلل إلى نفسيهما بفضل العلاقة الحميمة الحارة. وقد توقعتا أخبارًا جديدة وسعيدة، ولكن منى قالت باقتضابٍ مثير: فسخت خطوبتي قبل أن تعلن!
انزعجت الفتاتان حقًّا، وقالت عليات: غير معقول!
وقالت سنية: أي خبر!
وكانت منى قد قدمت لهما — منذ شهر — في دار الشاي الهندي شابًّا يدعى سالم علي، قاضٍ بمجلس الدولة، باعتباره الصديق والخطيب المنتظر، ولذلك توقعتا من وراء الدعوة العاجلة أخبارًا جديدةً سعيدة لا هذا الخبر الأسيف. وقالت سنية وهي تهز رأسها هزة ذات معنًى: وطبعًا كنت أنت البادئة؟!
فقالت منى بتحدٍّ: ظنك صادق دائمًا معي!
– ولكنه شابٌّ جذاب وذو مركز يا منى؟
وقالت عليات: وكان واضحًا أنه يحبكِ، وأنكِ تبادلينه الحب.
عند ذلك تململت من الضيق، وربما من عاطفة لم تستطع بعدُ أن تقتلعها من أعماقها، فثبت لهما أنها إنما دعتهما لحاجتها إلى الأنس والعزاء، ولكنها قالت بنبرةٍ لم تخلُ من حدة: عرفت عن يقين أنه يقوم بتحرياتٍ عني!
وساد الصمت حتى قالت سنية: أهذا ما أخذتِه عليه؟
– وهو كافٍ وفوق الكفاية.
فقالت عليات: أراهن على أنه فعل ما فعل بحسن نية!
– أنا لا أتهمه بسوء النية، ولكن بسوء العقلية أتهمه!
ثم مستدركة بانفعالٍ شديد: ولم أتردد فواجهته بالتهمة، تلعثم وحاول أن يفسر سلوكه بغير بواعثه الحقيقية، ولكني رفضت تفسيره وطالبته باحترام نفسه، فاعترف واعتذر بسخافاتٍ لا أذكرها، ولا أحب أن أذكرها فلم أقبل عذره، وقلت له ولم لا تسعى إلى الزواج عن طريق خاطبة، وسألتُه عما يريد معرفته عني أكثر مما يعرف، أو مما يمكن أن يعرف بالاتصال المباشر وبالحب المزعوم، قال إنه بريء، وإنه يحبني، وإن سمعتي نقية مثل الورد فضحكت ساخرة، وقلت له إني أحتقر تحرياته، وأحتقر النتائج التي وصل إليها، وإنه خدع، أو إنه لم يحسن التحري. وقلت له ماضيَّ ملكي وحدي كما أن ماضيه ملكه وحده، وإنني أرفض كافة أنواع العبودية في أي زيٍّ تزيَّت، وبأي اسمٍ تحلَّت، وإنه لا يصلح لي كما لا أصلح له!
وسكتت وهي تلهث، والغضب يرتعش في شفتيها، ويدلهمُّ في عينيها. وبدا أن صديقتيها لا تؤيدانها في موقفها، وإن شاركتاها في الإحساس والرؤية. تساءلت عليات: ألم تبالغي يا منى؟
وقالت سنية: هي تقاليد بلادنا!
فهزت منى رأسها بعنادٍ وقالت: إني أرفض ذلك كله!
فقالت سنية: إنهم معقدون، ويحتاجون إلى ترويضٍ طويل.
وقالت عليات، وكأنما تتم الكلام: لا إلى التحدي.
فقالت منى بعجرفة: أفضل أن أبقى بلا زواج إذا كان الثمن كذبةً سخيفة وجراحةً دنيئة!
فقالت عليات: ولكن ظروفنا حرجة كما تعلمين.
– لا يمكن أن أتهاون في مبادئي وأخلاقي.
أجل فهي معروفة بأخلاقياتها، وهي لم تمارس الجنس إلا بدافعٍ من الحب، ولم تضطر — مثلهما — إلى ممارسته في أحيانٍ كثيرة لاقتناء ما يحتاجان إليه من ملابس وأدوات زينة وكتب. ولعلها كانت تحتقر سلوكهما وإن عطفت عليه من أعماق قلبها المحب. وقد تابعت خطوات خطوبتهما، وما اقتضته من شهادات الزور والأكاذيب وغير ذلك، ولم ترتحْ لشيءٍ منه وإن تعزت بأن جميع تلك السخافات إنما ارتكبت باسم حبٍّ حقيقي. وكانت محاولة إثنائها عن موقفها ميئوسًا منها لما تعرفان من عنادها وكبريائها ومثالياتها، فسلمتا بالواقع في حزنٍ وكآبة. وقالت لها عليات: أنتِ يا منى جميلة وممتازة وجديرة حقًّا بزواجٍ سعيد!
فسألتها منى: ترى هل تطمئنان إلى مستقبلكما القائم على كذبةٍ كبيرة؟
فقالت سنية: إنه يقوم على الحب.
أما عليات فقالت بقلق: إن رجلًا مثل حسني حجازي خليقٌ بصون سرنا.
فقالت منى: حسني حجازي لا نتوقع منه الخيانة.
فعادت عليات تقول: أحيانًا أتذكر المصادفات المرعبة التي تقلب الأمور في السينما!
فقالت سنية بقوةٍ متحدية: لم يكن في وسعنا أن نفعل خلاف ما فعلنا وعلينا أن نواجه مصيرنا.
وفجرت الزيارة في نفس عليات وسنية دوامات من القلق، ولكن استقر في أعماقهما في النهاية قول سنية: «علينا أن نواجه مصيرنا.»
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
|