الموضوع: خلقت لأجلي!
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 23-05-2022
أميرة أميري متواجد حالياً
SMS ~ [ + ]
آوسمتي
لوني المفضل ظپط§ط±ط؛
 إنتسابي ♡ » 271
 آشراقتي ♡ » Oct 2019
 آخر حضور » منذ 3 ساعات (02:31 AM)
موآضيعي » 7056
آبدآعاتي » 581,599
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » الأدبي♡
آلعمر  » 21سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » متزوجة 😉
الاعجابات المتلقاة » 15972
الاعجابات المُرسلة » 9
 التقييم » أميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond reputeأميرة أميري has a reputation beyond repute
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 5,406
تم شكره 10,805 مرة في 6,724 مشاركة
افتراضي خلقت لأجلي!



نبدأ بعون الله ..




اليوم تصل أمي ، وأنا الآن كما الأيام الماضية .. أنتظرها بفارغ الصبر والشوق .. والرغبة في عناقها كانت تفوق كل رغبة أخرى .. ما جعلني أقف بارتباك هو صوت البكاء القادم من الخارج .. فقد قطع علي الكثير من الصمت والانتظار
. .عادت وأخيراً أمّي مع مخلوقة باكية ستزاحمني حبّها!

خرجتُ من غرفتي كالبرق بغية عناق أمّي , كانت الصغيرة بين ذراعيها وقد أقامت الأرض وأقعدتها ب صراخها لذا
عانقتني عناقاً قصيراً ، وباهتا قبل أنْ تختفي معها خلف باب الغرفة الموصد ، وتركتني واقفا بحزن ،
ف أخذني أبي إليه ..قال لي وقد استقرّ رأسي بين كفّيه ..

_ لا تحزن .. كان يومهما متعب

أومأت برأسي موافقاً إيّاه

ثمّ تركني وخرج.
ف خمّنت أنّه سيخرج للتدخين لذا عدتُ إلى غرفتي , لأكتب شيئا جديدا في مذكّرتي .. كهذا اللقاء الباهت مثلا ..!



ريم الصغيرة


كانت الأيّام بهذه الطفلة تزداد انضغاطاً وحدّة , فصوت بكائها كابوس مزعج يوقظني كل ليلة , ومرّات عديدة أخرج مستاء رغبةً في أن أرميها في النفايات البعيدة جدّاً عن البيت. لكنّي أعود خائباً حانقاً عند رؤية وجه أمّي المتعب..!
عجيبة تلك الآدميّة الصغيرة , فمن أيْن لها بهذه الحنجرة , وهي بعمر ال سنة فقط!
إذ كانت تبلغ الأربعة أشهر قبل السفر الذي دام 6 شهور عجاف قضيتها بالتنقّل بين القرية عند جدّتي ونادرا المدينة مع أبي الذي كان يعود بين الفينة والأخرى ، وربما هذا ما منعني من تكوين علاقة صداقة هنا ..!


,, يا إلهي,,


شعرتُ بالضيق وأنا أتأمّل وجهي في المرآة, وهالات سوداء تلفّ عيني بقسوة دون أدنى رحمة .. تحسستها بخوف , وشعور غريب أقرب للضعف تملّكني جعلني أقف لحظات طويلة أمام المرآة.. لحظات مشوبة بألم مرير.



فجأة.. توقّف البكاء.. ف تمدّدت على فراشي ونمت..!



في الصباح لم أستطع النهوض , وآلام كثيرة مصدرها رأسي المثقل أشعرتني بالضعف آلاف المرات ، وأجبرتني على التمدد ، والتأوه ..



_عزيز..

جاء صوتها أمّي يخترق باب غرفتي وانفلت كالكرة على رأسي المطرق. لملمتُ نفسي , ونهضت أحمل ثقل جسدي المرهق , وقبل أنْ أفتح الباب كانت قد استقرّت بطلّتها البهيّة أمامي وبين ذراعيها (ريم البكّاية).. لكنّها هذه المرّة بدت ساكنة , وهي تنظر لي بعجب.. شعرتُ بذلك من عينيها المفتوحتين على اتساعهما , وفاهها الفاغر كذلك..



,, يا لها من طفلة!,,



دفعتها أمّي نحوي بشيء من الإرهاق.. وقالت..
_ اعتن بها.. لحين عودتي..
_ ولكن..!

وقبل أن أكمل جملتي كانت قد ابتعدت وتوارت بجسدها خلف الباب , وتركتني معها حائرا ، فلن يجدي الرفض الآن على كل حال .


تبادلت وإيّاها النظرات، وقد سكنت تتأمّلني بعيون عابسة , وملامح اختلطت بآثار الدموع ليلة البارحة .. ما أزال في العاشرة , ولا خبرة لي في المخلوقات الصغيرة خصوصا الذين يشبهون ريم..!!


أخذتها لفراشي , وعيونها ما تزال تتفحص وجهي في خوف, وسكون مرعب.. حتى اعتقدت أنّها ماتت للحظة..!


اضطربت أنفاسي, وبحركة مفاجئة مني هززتها بقوّة جعلتها تبكي مرتعبة.. في الحقيقة هذا ما أراح قلبي ، وجعلني أطمئن أكثر ..
..عادت كما أعرفها..( ريم البكّاية)..!


حاولت مراراً إسكاتها , فلم تكترث لي وراحت تزيد من جرعات بكائها المزعج.. ربتُ على كتفيها.. وسألتها بتوسل ..

_ ماذا تريدين حبيبتي..!؟


لكنّها انتفضت قهراً, وأعلت من صيحاتها الغاضبة في وجهيْ..



ما أنتِ بالله..!



أيّ موقف صعب وضعت نفسي فيه الآن ..!؟

لم أمنع نفسي من الصراخ في وجهها .. تلك ردّة فعل لم أحسب لها حسابا سابقاً إلاّ أنّها لم تترك لي خيارا آخر..!
صراخي الذي خرج بلا تفكير .. جعل صيحاتها تتراجع رويداً رويداً حتى تلاشت . حالة من السكون والوجوم اعترتها وما تزال تنظر لي برعب وتحبس أنفاسها المشحونة خلف أنف مخاطي وفم مقوّس..!


كانت البداية معها سيّئة..!
أعلم ..!
لكنكم تعلمون السبب ..!


كنت سأكون أخا ودودا معها لو أنّها استمعت لي فقط.. وفهمت مغزى ما فعلته ، فهي اختي الوحيدة والأخيرة على أيّة حالْ..!
أمّي لن تقوى على الإنجاب ّ مرة أخرى.. كان حديثاً سمعته صدفة بينها وأبي ، ولم أعره انتباها لأنني ببساطة أجهل هذه الأحاديث ، وأجهل معنى أن أكون أخا .. يومها كنّا في بيتنا القديم في القربة !


آهٌ .. يا بيتنا القديم..
ورائحتك أيتها القرية ..

مرت أحداث كثيرة مشوبة بكل شيء لا أستطيع نسيانه هكذا .. واقعا ما حدث هناك لا أستطيع أن أصفه بأحداث عابرة .. لا بدّ ويأتي ذكرها فيما بعد.




ساد الصمت الغرفة , ودمعة كبيرة شقّت طريقها فوق وجنتها المتورّمة .. اقتربت نحوها أكثر , وطوّقتها بذراعيّ.. قلت بأسى ..

_ سامحيني..!


عرفت أنّها لن تفهم ما أقول, ولكنّها ستعلم أنّي آسف وهي بين ذراعيّ الآنْ. لحظة وتلاحقت أنفاسها سريعاً, وانطلقت صيحة مهضومة منها.. جعلتني أشدّ على جسدها الهزيل الذي اختفى بين ذراعيّ وأنا أكرّر (آسف).


بحثتُ في كل الغرفة عن شيء يسكتها.. فلم أجد..!

وقبل أنْ أفكّر اعتليت فراشي, وأخذت أقفز مرّات عديدة, وجسدها الهزيل يرتفع في الهواء مع كل قفزة.. بكت قليلاً ثمّ أصبح بكاؤها أنين خافت تلاشى مع قفزاتي المجنونة. وصوتي العالي الذي يهتف.. ب


_ريم ..
إضحكي ..!



ما عادت تبكي , ولكنّها أيضاً لم تصدر أيّ استجابة أكانت راضية أم ناقمة ألاّ أنّي لم أتوقّف عن القفز, ولم أفقد الأمل..!
أغمضت عينيّ, ورحت أقفز عالياً وأنا أعدّ قفزاتي في شيء من الحماسة .. فلا أخفيكم سرا
أنّ القفز أعاد لي شيئاً من جنوني في القرية..!



صدرت ضحكة عالية من مصدر أعرفه..
نعم أعرفه..!

فتحت عيني وقد كانت ريم .. تعتلي بجسدها الصغير وتضرب بكلتا يديها ، وهي تضحك هكذا تضحك وكأنّها لم تبك يوماً..!


يا الله .. إنّها معجزة..!



قفزتُ مرّات عديدة. مرّات لم تخلو من اللذّة , وهي تطير معي في الهواء ثمّ يرتطم جسدها الصغير بتلك الشراشف الملوّنة. حتّى خارت قوّايْ وارتميت على الفراشْ جثّةْ هامدة جعلت جسدها يطير في الهواء , وهي تضحك.
بعد أن استعدت أنفاسي دفعت برأسي بين رجليها الصغيرتين , وأغمضت عينيّ بهوادة . شعرت بيدها الصغيرة تمسك شعري بقوّة , وتجول فيه بطريقة عشوائيّة فوضويّة وتشدّ عليه مرّة بعد أخرى.

,,آآآخ,,!


وقع الخطوات خارج الغرفة جعلني أعتدل في جلستي , ومتأهّباً لما سأقوله ليقيني أنّها أمّي ..
اقتربت أكثر وفتحت الباب ودخلت..
وآثار تعب بدت واضحة جليّة على تقاسيم وجهها الحنون المتشرّب بالحمرة.. بلا مقدّمات قلت..
_ أمّي.. لقد جعلت ريم تضحك..!

وافتني بابتسامتها الباهتة , وعيونها الغائصة في التيه.. وقالت ..

_ حقّاً..!
_ نعم يا أمي ..!

جذبت ريم نحوها , وقالت..
_ وتعلّم كيف تجعلها تحبّك.. لا بدّ أن تحبّك..!

حملتها و خرجت..
تمدّدت على فراشي وتوسّد رأسي كفيّ , وعلامات انتصار علت وجهي، وراحة عجيبة تسللت إلى أعماقيْ..


ما أجمل الشعور بالنصر..!


لأوّل مرة أشعر بالحنين لها ,, ريم,, على الرغم أنّنا افترقنا للتو. إلاّ أنّ حديث أمّي أحدث فرقاً في داخليْ ، فمن الآن وإلى أجل غير محتوم سأكون الأخ المحب دائما .


أووه.. كدت أنسى , فلم يبق إلا شهران على السنة الدراسية الجديدة, حيث أنّني سأنتقل إلى مدرسة المدينة بعد أنْ نقل أبي كلّ أوراقي من القرية إلى هنا مودّعاً فيها المقاعد الخشبيّة المهترئة , والزي المدرسي المتواضعْ. تململت في مكاني وأنا أفكّر في الأيّام المقبلة وأيّ ناس سأقابل ثمّ قطع صوت الأذان حبل تفكيري

.. الله أكبر .. الله أكبر..

ف نهضت للصلاة..


_ عزيز..
خرجت بعد أنْ فرغت من صلاتي.. قلت ..

_ نعم أمّيْ!

قالت وقد استوت بجسدها على الكرسي أمام المائدة..
_ الغذاءْ..
_ أين أبيْ..!؟

قلت بعد أن اتخذت الكرسي المقابل لها.. رفعت حاجبيها وعلامة استفهام كبيرة تلبّست ملامحها ثم قالت ..


_ لا أدريْ..!!!

بعد هذه الإجابة آثرت الصمت وتناولت غذائي.. لم تدار الأحاديث بيننا إلاّ من صيحات ,, ريم,, التي ترفض الغذاء. بعد أن أنهيت طبقي عن آخره حملته لأغسله .. لا أدري لم أشعر أنّ أمّي حزينة وأنّه من حقها عليّ أنْ أساعدها بالشيء القليل والذي ربّما أجيده..!


حين هدأت حرارة الشمس . خرجت للحديقة المجاورة لبيتنا , وهناك التقيت بزاهر الذي عرفت منه أنه جارنا ، وأنهم حديثا انتقلوا لبيتهم .. تحدّثنا طويلاً حتى نشأت بيننا علاقة أشبه بالألفة مشوبة برائحة الأصدقاء القدامى. أصدقاء القرية..!
وأنّى لي نسيان هذا الفصل من حياتي .. أنّ أصوات ضحكاتنا وكل تلك المغامرات المجنونة ما يزال رنينها يطرب أذني وقلبي.. وستظل دائماً..!


كلّ تلك الأحاسيس وافتني دفعة واحدة , وأنا مع ,, زاهر,, ذا العشرة أعوام . كان اقصر مني قامة ونحيل كأنا ، والغريب أنّني وهو نشترك في بعض الصفات .. من يعلم لربّما شكّلنا ثنائيّا رائعا في الأيّام القادمة. كنّا منسجمين إلى أن لاح من بعيد أطياف لثلاثة أولاد بدأوا يقتربون شيئا فشيئاً نحونا. لاحظت بوادر خوف شديد على ملامح وجه , زاهر, في حين أطرافه بدأت ترتجف بلا توقف وهو يضغط على كتفي بشدّة , ويقول..
_ عزيز.. اهرب.. اظفر بجلدك
قلت مندهشاً..
_ أهرب..!؟ ممن..!؟
_ من عباس..
الولد الضخم .. بالأمس سرق نقودي ، وضربني !


وابتعد هارباً.. حتّى صار نقطة سوداء اختفت تحت قسوة أقدام المارّة.. بعد لحظات كانت الأجساد المتفاوتة الامتلاء ماثلة أمامي.. جسد ضخم وجسدين نحيلينْ..

قال الجسد الضخم بصوت يصطنع الرعب..

_ من أنت..!؟
_ عزيز

قلت ذلك , وتأمّلت وجوههم البائسة المكفهرّة. وجوه تلبّست الأقنعة ورافقت الشياطين هذا ما توهموه , وحسبوه حقيقة..!!
وذاته الجسد الضخم اقترب منّي أكثر حتّى صارت عيناه نصب عينيّ.. قال بتعنتر..

_ أين نقودك..!؟

نظرت له في عجب. وكأنّي لم أفهم لغته تلك.. هذا ما جعل الهيكلين الذين يرافقانه يضحكان بغباء..


_ إنّه غبي كالبقية!
علمه درسا

لم أمنع نفسي من ابتسامة ساخرة ظهرت بإصرار على وجهي المدهوش وقلت..

_ لا نقود لدي!

ويديّ تفرغ ما في جيبي لا شيء . هذا ما أثار حنق الجسد الضخم ، فسدّد لي لكمة قويّة أجّجت براكين غضبي . نظرت لكتلة اللحم الممتدّة بعلو مخيف أمامي , وبادلته اللكمة ذاتها بل وأقوى ممزوجة بحنق وغضب..!

صرخ في وجهي قلب كل موازين فكري الذي إحتار في تلك الأجساد التي جاءت من عوالم أخرى متلبسة المجهول لتسقيني كأس آخر من الحياة ها هنا.. وطوّق يداه حول عنقي , وضغط بشدّة وعيناه تشتعل غضباً أشعرتني بالضعف , وصعوبة في التنفّس وبلع الريق . ربّما ما أزال أحلم.. كنت سأؤمن بهذا الاحتمال لولا الهيكلان اللذان يصفقان ببلاهة ويهتفان.. ب

_ يحيا عبّاس يحيا عبّاسْ..!


من التصاق الأكف والأجساد, وحركة الأفواه العشوائيّة أفقدتني توازني , فهويت على التربة الباردة التي شهدت مصرع الكرامة في هذه المدينة التي ستواجهني بالكثير مما لا أطيقه ..! تمدّدت بجسدي المنهك على التربة دون حراك بعد أن هرب عبّاس الضخم وهيكليه , وهو يتوعّدني بانتقامٍ آخر أكثر بشاعة..

_ لم يولدْ من يتحدّاني بعد..!


أغمضت عينيّ, وتنفّست بعمق ..قلت في نفسي..

_ دائماً البداية سيّئة..!


شعرت بيد تنفض ما علق بملابسي من حبّات الرمل التي استعمرتني لحظة سقوطي. قال , زاهر, وهو مستاء..

_ لم لم تهرب..!؟

لم أجبه . ولملت نفسي وقمت مبتعداً بلا كلمة..

صرخ بي من بعيد..

_ صديقان ..!؟

قلت بصوت عال ..

_ بالتأكيد ..


داهمتني أفكار مخيفة وعلى رأس تلك الأفكار كان الانتقام لاستعادة الكرامة المغصوبة ، وتساءلت كثيرا .. هل في داخلي عبّاس آخر..!!؟
وأنني مجرد وحش في هيئة ولد سيكبر ، ويبتلع الآخرين ..!
هل أنا كذلك ..!؟
لا يهم فالعين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلمْ..!


دخلتُ البيت , وهناك وقف , زاهر, متسمّراً يحمّلق في اتجاهي . . بعينين تختزن الكثير..!


التقت عيناي بعينيّ ,, أمّي,, المتسائلةْ والتي وقفت خائفة بعد أن رأت حالتي المزرية , وقبل أن تنطق .. قلتُ

_ لا شيء!


وابتعدتُ بأوجاع نفسي وجسدي, وثيابي المتسخة إلى غرفتي , واغلقت الباب .


أخذتُ حمّاماً ساخناً , ومياه سوداء نزلت من جسدي طهّرت تلك المياه أطرافه.. ذكّرتني تلك المياه .. بتلك الأيّام يوم سرقنا أنا وسعيدْ.. ,, حمار حجّي علي ,, وتناوبنا ركوبه حتّى وصلنا عيون الماء , ولولا انفعال الحمار ، وركله لسعيد بقوة داخل عيون الماء ، و خوفي الشديد .. ما كان سعيد ليصبح جثّة هامدة .. و لكانت تلك المغامرة من أجمل ما تكونْ إلاّ أنّها الآن ذكرى حزينة سوداء..!! مسحت الدمعة التي ظفرت وقلت ..

_ رحمك الله يا صديقي ..!


آه.. يا ليت الزمان يعودْ.. وسعيد ما يزال حيّا يرزقْ..!


جفّفت جسدي المبلل, ولبست ملابسي , ووقفت أمام المرآة أتفحّص تلك الدائرة الحمراء المتورّمة قرب عيني , ورغبة قويّة في أنْ ألكم عبّاس مرّة أخرىْ..


_ تبّا لك يا عبّاسْ..!


تنبّهت لنفسي , وقد وقفت أمّي أمامي متوجّسة , وبين ذراعيها ,, ريم,, التي ما أنْ رأتني حتى بدأت بالضحك والتصفيقْ..

ما أجملكِ..!


جلستُ فوق الفراش , وهي اتخذت لها مكاناً بجانبي.. قالت وهي خائفة..

_ عزيز.. من فعل بك هذا..!؟
_ لا أحدْ.. قلت ذلك ويدي تخفي دائرتي المتورّمة..!

تنهّدت تنهيدة قصيرة وقالت..
_ لا تجعل المدينة.. تغيّرك كأباكْ..!
_ ها .. أ اااا نا..!


نظرتُ لها , وقد اغرورقت عيناها بالدموع. لم تكن المرّة الأولى التي تبكي فيها , فعيونها المتورّمة تنبأ عن عشرات المرّات التي بكت فيها في ظلمة الليالي وحيدة .. فهذا لا يحتاج لأن أكون كبيرا ً لأفهم ذلك..! واسترسلت في حديثها,,


_لم يعد أباك إلى البيت منذ أسبوع ومؤكّد أنّه مع جدّتك تشحن عقله بمواضيع واهية وكلّها ضدّي بلا شك!! لا أعلم لم تحشر في رأسه مواضيع الزواج مرة أخرى ، وحين أعارض أكون المذنبة..! مرات كثيرة تمنيت الموت فيها على أن لا أرى هذا اليوم يحدث حقا ..!

بدت كاللبوءة الجريحة وهي تقوم وتقعد.. وتكمل حديثها ..
_ إنّه لا يأتيْ.. وأنا مريضةْ بحاجة لرجل يقف إلى جانبيْ , ويمدّ لي يديه وقت حاجتيْ..
وصمتت قليلا .. وأنا أحدّق فيها ببلاهة..
ثم قالت وهي تهمّ بالوقوفْ..
_ يا ليتك تكبر سريعاً...!

لمْ يكنْ في عقلي أيّ حديث من شأنه أن يخفّف من وجعها لذا شعرتُ بالغباء والضياعْ ..



ف يا ليتني أكبر سريعاً.. وأكن كما تشائينْ..!!!


************

كان الوقت منتصف الليل والأمر الذي جعلني أصحو فزعاً وأخرج من غرفتي كان صوت بكاء مرير وصراخْ انبعث من غرفة والديّ لكن لم تكن ,, ريم,, وحدها بطلة البكاء بل شاركتها أمّي في قالب عزائيْ..!


كنت سأفتح باب الغرفة لولا صوت أبي الغاضب.. لذا تسمّرت مكاني لا أنا أذهب إلى غرفتي , ولا أنا أوقف هذا الصراخ والبكاء الذي علا بلا حيلة منّي. والفضول غلبني لمعرفة الأمر. كانت أمّي تتحدّث وقد اختلطت كلماتها بالبكاء,,
_ أعرف أنّك تفكر في الزواج .. أمك نجحت في غرس هذه الفكرة في رأسك .. نجحت ..!
صرخ أبي هو الآخر ..
_ نعم أفكر .. بل وجدت إحداهن ..
على الأقل سأجد الراحة معها بلا دموع وتذمر ..!
.. الا تشعرين بأفعالك .. ألا تشعرين بنفسك وأنت تتحولين لامرأة سطحية ومتذمرة يوما بعد يوم ..!؟
لقد اكتفيت منك ..!!


ازداد بكاء أمّي , وصرخت بقهر..
_ أكرهك.. أكرهك ..
أيها الخائن ..!


يومها لم أعرف معنى الخيانة إلا كلمة سيئة جدّاً تجعل أمّي وأبي في حالة صراع دائم ولسنوات طويلة. قال أبي وهو يدير مقبض الباب..

_ سأخرج بلا عودة ..!


حين فتح الباب وجدني واقفاً في الحقيقة كنت متجمّداً لا أدري لم لم تسعفنِ رجلاي لحظة قررت الهرب إلى غرفتي .. قبل أن ألتقي بوجهه الغاضب.. قلت محاولاً تبرير موقفي الغريب
_ ما الأمر...!؟
سمعتُ البكــ ا ا
لم ينتظرني لأكمل جملتي غير أنه رمقني بنظرة سريعة وخرج..!



أسرعتُ إلى الغرفة لأجد أمّي قد رمت بجسدها على الفراش باكية والصغيرة في سريرها تبكي هي الأخرى مرعوبة. إذ أنّ الصراخ كان عالياً ما جعلها تصحو من نومها مفزوعة. مدّت يدها مستنجدة إياي
فجذبتها إليّ وأنا أطبطب عليها حتى سكتت أخيراً ، وعيونها مغمورة بالدموع. .. مسحتها بيديّ ووضعت رأسها على كتفي محاولة مني لتهدئتها لكي تنام.. !

وقفت أراقب تلك المرأة التي انهارت تماماً على الفراش , وأظن أنّها فقدت الإحساس بكل ما حولها .. أنا و ,, ريم,,.


كانت أمّي تحب أبي لدرجة الجنون إلاّ أنّ العلاقة بينها وجدتي لم تكن جيّدة .. ربما هذا ما يجعل العلاقة بينهم جميعا متوترة على الدوام .. أذكر يوم كنّا في القرية . كانت جدّتي تحاول أن تثير غيرة أمي بشتى الطرق ، وتربح في مسعاها في كل مرة ، وأمّي بدورها تثور وتنتحب أمام أبي , وتقسم عليه ألا يفكر أن يخطو هذه الخطوة أبدا ..
_ لا تستمع لها ..!
_ أمك تريدني أن أموت غيرة .. !
_ أنا أحبك .. لا تفعل بي هذا !
_ أنت تحبني .. أليس كذلك ..!؟

الكثير من الشكوى ، والبكاء بشكل يومي تقريبا .. وفي الجانب الآخر .. كانت جدتي تجلس وتضحك .. وتتمتم ..
_ يا لك من ساذجة يا أماني ..!

أمي يتيمة الأبوين منذ زمن بعيد لذا حين تزوجها أبي شعرت أنه الملجأ الوحيد لها , وظنت أنها بعده سيبتلعها الضياع ، والأغرب من هذا والذي عرفته مؤخراً أنّ جدّتي هي الخالة الوحيدة لأمي وهي من ربّتها ، ولمّا كبرت أمّي كان لزاماً على أبي الزواج بها حتّى يكون وجودهما في نفس البيت مطمئناً و يخرس الكثير من الأقاويل.



لم تتحرّك أمّي , فظننتها نامت. وريم نامت هي الأخرى لذا ذهبت بها إلى غرفتي لترتاح أمّي قليلاً..
تنام ريم فوق فراشي بهدوء عجيب , وأنا لم أستطع النوم لذا جلست بجانبها , ولا أعلم سبب انقباض قلبي المفاجئ إذ لا شيء حقيقي يدعو إلى هذا الشعور ..لكنني الآن خائف ولا أدري لم,,!!؟


انتظرت قليلاً لربّما عاد أبي ونشبت حرب أخرى . لكنّه لم يعد . توسّدت كفّي بجانب ال ريم ولا أدري كيف نمت. الشيء الذي جعلني أنهض سريعاً خيوط الشمس التي هاجمت وجهي متسللة من فتحة صغيرة من ستار النافذة.

_أووه .. فاتني وقت الصلاة..!!
لم لم توقظني أمي !؟

كانت الصغيرة لا تزال تغط في نوم عميق. صليت سريعاً , وذهبت أستطلع أمر أمّي. حين وصلت الغرفة كانت ما تزال بوضعيتها كما تركتها البارحةْ اقتربت منّها منادياً إيّاها..

أمّي .. أمّي..!

إلاّ أنّها لم تجبن , ولم تتحرّك , وبدت ممسكة بقارورة الدواء خاصتها. أخذتها من يدها أتفحّصها كانت قد تناولتها عن آخرها ..

يا إلهي ..!
في ما كانت تفكر.. بحق السماء ..!؟



إنطلقت سريعا للهاتف, أدرت الأرقام بلا تركيز , ورحمة من الرب أنّي أحفظ رقم هاتف أبي. خابرته مرّات عديدة لكنّه لم يجب ربّما ظن أنّها أمّي ، وامتنع عن الإجابة ..!

ماذا أفعل يا الله .!


يا رب..!

قفز لعقلي ,, زاهر,, وانطلقت إليه بلا تفكير طلباً للمساعدة. طرقت بابهم بقوّة , فخرج هو ووالده.. قلتُ بخوف..

_ أمّي لا تتحرّك..!!


لم يترك أبا زاهر وقتاً للتفاصيل حتّى نادى أم زاهر . لحظات وكنّا جميعاً في المستشفى. كانت ال ريم بين ذراعيّ و ما تزال نائمة , وكأنّها نوت الهروب هي الأخرى..!


قالت أمّ زاهر وهي تمدّ يديها إلي..
ناولني الصغيرة لأحملها , فأنت تحملها منذ فترة طويلة .. مؤكّد أنّك متعب الآن ..!
هاتها ..!


لم أشأ مفارقة الريم لاّ أنّه لم يكن من الأدب إحراجها , وقد مدّت يديها ..!
كذلك شعرت معهم بأنّهم أهلي .. يكفي أنّهم تركوا كل أعمالهم ووقفوا هنا ساعات طويلة بلا خبر..!
كانت وجوههم القلقة تواسيني , وكلماتهم بين لحظة وأخرى تبعث على نفسي الطمأنينة..

,, لا تخف بني.. كل ّ شيء سيكون بخير إنْ شاء الله..

~ إن شاء الله


قال ذلك أبا زاهر وهو يربت على كتفي محاولة منه لتهدئة نفسي , وخوفي من فقدها .. أمّي..!



وقفنا طويلاً ..بعدها انفتح الباب وخرج الدكتور , إندفع نحوه أبا زاهر..
_ دكتور.. ما حال المريضة..!؟
_ الحمدلله .. تعدّت مرحلة الخطر.. كانت قد ابتلعت جرعة زائدة من الدواء.. لكنّنا أجرينا لها عمليّة غسيل للمعدة.. أأنت زوجها..!؟
_ لا جارها..!
_ على كلّ حال .. حمدا لله على سلامتها..
_ الحمدلله..



ابتعد الدكتور.. وجاء أبا زاهر يبشّرني..
_ عزيز.. أمّك بخير..!
الحمدلله


هذه اللحظة ارتاح قلبي , وكأني سقطت من علو جبلٍ شاهق..

ألف حمد وشكر لك يا رب..


سأدخل لرؤيتها..!؟

قلت ذلك , وأنا أمرّر بصري بين ابا زاهر وأمّه, وقد أومأ لي هو الآخر, فانطلقت مسرعاً لها.. فتحت الباب ودخلت . كانت ما تزال تحت تأثير المخدّر لكن مجرّد رؤيتها يبعث على الراحة, وإن لم تتكلم .. هي بخير في النهاية. . تناولت يدها بين كفّيّ , وأنا أتأمّل ملامحها المتعبة.. وأسئلة كثيرة شاغلتني حينها , فهل ما حدث بينها وأبي يستحق .. لتحاول الانتحار هكذا بسهولة..!!


لماذا أمّي .. لماذا..!؟


ألم تفكري فينا.. أنا و ريم.. وكيف ستكون حياتنا بعدك .. !؟
لا أعلم كيف يفكّر الكبار.. إلاّ أنّ تفكيرهم ينمّ عن أنانيّة مطلقة
, وأظن في كثير من الأحيان أنهم لا يفكّرون.!



طرقت الباب , ودخلت كانت أم زاهر , وجاءت تحثّني على الذهاب إلى البيت , فأمي ستمكث في المستشفى ليومين بعد تحت الملاحظة في حال حدثت لها أيّ مضاعفاتْ. لم أستطع الرفض لذا ألقيت عليها آخر نظراتي وأغلقت الباب .

في الطريق استيقظت ,, ريم,, كانت مع أم زاهر في المقعد
الأمامي .. لحظات وعلا صوت بكائها. . مؤكّد أنّها استغربت الوجوه . فلم تكن بين ذراعيّ أمّي , أدارت أمّ زاهر رأسها للخلف لتراني , فمددت لها يديّ حين رأتني الصغيرة هدأت, ونظرت لي , وكأنّها تقول

_ها أنت.. وجدتك..!!


ربّما فكّرت أنّها تلعب (الغماية) ..!! أمر مضحك أنْ أفكّر هكذا أليس كذلك!؟
لا الوقت ، ولا المزاج بخير الآن ..!



تعالي حبيبتي..

و انطلقت تلك الضحكة الحلوة لتطرب صمت المكان.. وقلبي ..!


ياه... هل قلت أنّي أحبّ ضحكتها..!!؟
لا بل هي أكثر شيء أحبّه على الإطلاق .



**********


توقّفت السيّارة عند منظر تلك الصغيرة الباكية ,والتي كانت برفقة زاهر الذي بدا متململاً , فقالت أم زاهر وهي تغادر السيّارة على عجل..

_ وردةْ حبيبتيْ!

تبعناها أنا وأبا زاهر وكان جفلاً هو الآخر..

_ زاهر ماذا حدث!؟

_ آه يا أمّي.. منذ أن استيقظت وردة ولم تجدك نذرت نفسها للبكاء ..!

يا للصغار..!!
لقد أرهقتني كثيرا ..!

أخذت أمّ زاهر الصغيرة , ودخلت بها البيت . وبقينا نحن الثلاثة في صمت حتى بادر أبا زاهر..

_ إبقَ معنا للغذاء..!

إرتبكت قليلاً ثم قلت..
_ ربّما يعود أبي .. سأذهب البيت تحسبا لذلك ..


ربت على كتفي وقال..
_ إفعل ما يريحك.. لكن بيت زاهر هو بيتك أيضا ..
و سيبقى مشرعا لك دائما ..!

_ حسناً
شكرا يا عمي .

دخل أبا زاهر للبيت ، ووقف زاهر ينظر لي رغبة منه في معرفة ما حدث من عينيّ ثم قال..

_ كيف حال أمّك..!؟

قلت وأنا أشدّ ظهري المتعب , وريم بين يديّ..

_ أنّها بخير.. لكنّها ستبقى في المستشفى ليومين بعد ..
_ الأهم انّها بخير
_ نعم الحمدلله
وافترقنا على أمل اللقاء فيما بعد إذ كان عقلي مشوشاً حينها ولم أعرف كيف أتصرّف أو ماذا كنت سأقول لأبي لحظة عودته أو ماذا سآكل !؟ ا
الأكل ..!؟
أنا أتضور جوعا ..!!

الخجل فقط ما حرضني على اختراع أعذار غبية ، وأعود إلى هنا ببطن فارغ ..!!
وها أنا في غرفتي الآن مع ريم التي بدأت تثرثر بلغة الصغار وهي تضرب الشراشف الملوّنة فوق سريري , وكأنّها تجادل أحداً.

.. لغتها غير المفهومة ..
دفعتني للضحك ، والتعجب ..!


ساعات طويلة مرّت ولم يعد أبي أو يتّصل بنا وكأنّ ما حدث بينه وأمّي كان حجّة للهرب..!
ذهبت إلى المطبخ ،ورحت أفتّش لي وريم عن طعام .. يوقف الحفلة الصاخبة من الأصوات ، والتي تحدث في بطني .. .. فتحت الثلاجة ، فوجدت تفّاحة واحدة لا غيرها في فراغ الثلاجة ..!


.. يا إلهي .. لا طعام لدينا..!!

أخذت التفاحة ، وتقاسمتها مع ريم التي أخذت نصفها تتناوله بنهم. كنت قد عزمت الذهاب إلى بيت زاهر طلباً للغذاء قبل أن يقفز هو من عقلي و يطرق الباب.. حين خرجت .. وجدته واقفاً وبين يديه الطعام الذي أحب ..الدجاج المقلي والأرز , وكأنّه قرأ أفكاريْ، وهرع إلي مسرعا ..!

_ أحبّك زاهر..!

قلت ذلك وعينيّ على ذلك الطبق الذي يضم كل ما لذ وطاب.. بينما وقف هو ينظر لي ولم ينطق. شعرت بالخجل ، وهمست له ..

_ تبّاً للجوع !

دخلنا ضاحكين, وبعد أن التهمت الغذاء . أراد زاهر رؤية غرفتي , فأخذته إليها .. قلت وأنا أفتح الباب
_ لا شيء مدهش فيها !

تحدّثنا كثيراً في كلّ شيء يشغل عالمنا الصغير هذا ..حتّى شعرت ريم بالملل وأطلقت صيحاتها التي ما أن بدأت لم تنتهِ.. حاولت معها بشتّى الطرق لكي تهدأ , ولا فائدة..

_ إهدئي حبيبتي..

وهي تبكي بلا توقّف , وتقول ماما..!
أووه .. يا صغيرة لو تعلمين ما حدث لماما.. وفي أي مكان هي الآن..!


حملتها للخارج , وزاهر معي.. أخذت أمسح على شعرها , وهي ما تزال تبكي بحرقة..

بالله .. ما بك يا صغيرة ..!؟

قال زاهر حينها..
_دعنا نأخذها إلي أمّي .. لها قدرة عجيبة على تهدئة الصغار
_ ربّما هي مشغولة..
_ لا .. لا تخف ,, ف أختي وردة لها بالمرصادْ..!
_ حسنا.

وذهبنا إلى أمّ زاهر ، وقد كانت تجلس مع وردة الصغيرة التي نثرت ألعابها بفوضويّة , وأخذت تلعب بسعادة. حين رأتنا أم زاهر مقبلين وقفت , ولو أني أجزم أنّ صوت بكاء ريم هو ما جعلها تقف..!

قالت بملامح قلقة..
_ ماذا بها..!؟

أجابها زاهر متزعّماً دفّة الحديث..
_ لا ندريْ.. كانت تلعب ثمّ بكت فجأة..!!!


مدّت يديها نحوي , فناولتها ريم , وأنا مرتبك إثر صراخها القويْ.. ف أخذت تتفحّص يديها , ورجليها .. وهي تقول..
_ ربّما عضّها البعوض.. فالجو حار والبعوض منتشر..!

لكنّها سرعان ما أصدرت ضحكتها, وقالت
_ يا للطفلة المسكينة..!

قلت بخوف ..
_ ما بها..!؟
_ لا تخف بني.. إنّها تحتاج حمّاماً فقط...!

هدأت نفسي لحظتها ثمّ تنبّهت ل زاهر الذي أخذ يشدّ يدي ويقول..

_ دعنا نلعب في الخارج!

إلاّ أنّي وقفت أنظر لأم زاهر التي طلبت منّي أن أجلب لها بعض ملابس ريم, فخرجت مسرعا حيث منزلنا , وجمعت كل ما سقطت عليه عينيّ من ملابس وأغراض تخصّ ريم وعدت بالسرعة ذاتها.. أخذتهم أم زاهر وهي تبتسم قائلة..

_ يا لك من أخ حنون.. سوف تكون ريم محظوظة بك..


إحمرّت وجنتاي خجلا, وتسمّرت في مكاني قليلا ،وابتسامة راضية لونت وجهي المتعب, فكم أحب المدح , فهو يبعث في نفسي الراحة .. لا أسمعه كثيرا على إية حال .. سمعته من أمي أول مرة .. وهذه المرة شعرت بها مختلفة ..

.. كم أنت حنون يا عزيز.. نعم
أنا حنون ، وأخ جيد كذلك ..!


_هيّا يا عزيز.. قبل مغيب الشمس!

كان زاهر يشدّني للخارج, وأنا في عالم آخر. بينما أم زاهر تلوّح لنا، وتحثّنا على الذهاب.


خرجنا وتركت ريم في مكان أستطيع أن أ طمئن عليها فيه ، فليس الأهل من تربطنا فيهم صلة الرحم والدم بل من يقفون معك في أحلك أيّامك.

وأيّ أهل لديّ أنا ..!


عم مستهتر إنحرف عن طريق العائلة في وقت مبكر ، وجدّتي التي لا أذكر لها يوما واحدا لم تشن فيه حربا كلامية مع أمي التي تعلمت مؤخرا أن ترد الصاع صاعين وأب خرج ، ولم يعد ..!
هؤلاء كل ما أملك..!
ولست أعترض .. إلا أنني أتمنى كثيرا أن أكون أفضل منهم جميعا .. أنا أشعر في قرارة نفسي أنني مختلف ..
نسخة أفضل ، ولن أكون أقل من ذلك ..!



لعبنا بالكرة في الحديقة القريبة حتى أنهكنا التعب والعرق, إذ أنّ الجو يزداد رطوبة ما سبّب لنا الإعياء , فرمينا بجسدينا على الرمال لنستعيد طاقتنا المهدورة قبل ذهابنا للبيت. أوشكت الشمس على المغيب, ونحن ما نزال على وضعنا لم نتحرك. حتى علا صوت الأذان, فانتفضنا واقفين.


حين عدنا كانتا الصغيرتين تلعبان برضا وسعادة. وقفت أم زاهر بجانبهما تستعد للصلاة.. لم أشأ إزعاجها , فاستأذنت زاهر للذهاب إلى البيت، واتفقنا أن نلتقي بعد السباحة والصلاة.
لم أكن حزيناً كالأمس ربّما خائفٌ من المجهول لكن لست حزيناً. عند عودتي مرّة أخرى وافتني ضحكة ريم التي أحبّها وكأنّها موسيقى ما تطرب مسمعي. وقفت قرب الباب ،فوجدتها من بعيد ما تزال تلعب مع وردة. حين رأتني أم زاهر دعتني للدخول.
_ لم تقف في الخارج يا عزيز .. تعال


ثم ذهبت هي إلى المطبخ كما قالت ، ووقفت أنا بجانبهما وهما تلعبان , ولما انتبهت ريم لوجودي أطلقت ضحكتها المرحبة إياي, في حين وردة رمقتني بنظرة وابتسامة صغيرة. شعرت أنّها طفلة نبيهة أو ربّما لأنّي لم ألتق بأطفال في مثل عمرها قط. قلت مداعباً إيّاها..

_ سألعب معكما..

لم تنطق , فاعتقدت أنّها لم تسمعنِ , فعاودت قولي..
_ أود اللعب معكما.. أتسمحين لي بذلك ..!؟

نظرت لي , وهي تصنع بيتاً من مكعبات بلاستيكيّة, وقالت..

_ لا

قلت , وقد تقوّس فمي..

_ لم..!؟

لم تجبْ , وانكبت تصنع البيت باهتمام بينما أخذت ريم تعبث بالدمي الأخرى .. أقبل زاهر منادياً إيّايْ .، ولمّا رأته وردة قالت لي..

_ إلعب مع زاهر هو كبير بحجمك..!

ثم نظرت لي ، وقد رسمت على وجهها ابتسامة صغيرة .. واقعا .. هالني طريقة تفكيرها , وردّها الذي جاء يغيّر الفكرة التي غُرست في عقلي منذ جاءت في عالمي ريم والتي تقول أنّ الأطفال لا عقل لهم.. فقط دموع..!

فكرة محطّمة اليس كذلك..!!

وقد تغيرت منذ الآن ..!




في غرفة زاهر طال تأمّلي في تلك السيّارات الإلكترونية , والتي ترتبت بجانب بعضها بعضا الصغيرة منها والكبيرة , فلا أذكر يوماً أن ابتاع لي أبي سيّارة إلكترونيّة أو أيّ شيء من شأنه أن يكون هديّة لولدٍ صغيرْ . فكم كانت غرفتي فارغة إلاّ من سرير وطاولة ومرآة أرى فيها وجهي كل صباحْ..!


كانت غرفتي باهتة أو هكذا شعرت وأنا اتأمّل كل تلك الأشياء الملوّنة منها والسوداء , والتي أثّثت غرفة زاهر بطريقة تجعلك تتأملها بلا ملل.
قال زاهر , وهو يتوسط سيّاراته الإلكترونيّة..

_ إختر واحدة , ولنبدأ التحدّي!


مرّرت نظري عليها كلّها , وتناولت واحدة بلا تدقيقْ , وبدأنا اللعب . ساعات طويلة قضيناها نلعب بين مهزوم ومنتصر وضحكاتنا العالية تقطع حدّة صراخنا .حتى جاءني صوت بكاء ريم مخترقاً الباب المغلق وعلى إثره وقفت قلقاً . فاستغلّ زاهر وقوفي وانقضّ بسيّارته محطّماً سيّارتي التي تقلّبت بقوّة. وصرخ فرحاً..

_ لقد هزمتك.. أنت مهزوم.


في الحقيقة لم يكن في عقلي حينها إلاّ صوت البكاء المنبعث من الخارج . قلت لزاهر..

_ ريم تبكيْ..!

_ لا تغيّر الموضوع.. لقد هزمتك..!
وارضخ لهذه الحقيقة ..!

قال زاهر ذلك , وهو يمسح على سيّارته التي بدت لامعةْ..

_ لا زاهر .. أنا قلق عليها .. أريد الذهاب لرؤيتها..!

وقبل أن نخرج أنفتح الباب , وكانت وردة تمسك بيد ريم التي أغرقت خدّيها بالدموع ، وهي خائفة.. قالت وردة وهي تقترب إليّ بها..

_ لم أؤذها.. لكنّها تريد أمها..

حين سمعت ما قالته وردة , فتحت ذراعيّ على اتساعهما , فركضت ريم إليّ باكية وارتمت في حضني ما كان منيّ إلاّ أن طوّقتها بحنان

_أتريدين ماما..!؟
ستأتي قريباً,,!


_أتريدين اللعب بالسيّارات ها..؟,,

قلت لها ذلك , وأنا أرفع السيّارة المقلوبة, فمدّت يدها باهتمام. وجذبت السيّارة إليها.
ضحك زاهر , وقال ..
_ أتريدها أن تشهد هزيمتك مرّة أخرى..!؟
_ لا تضحك كثيراً.. كنت سأهزمك لو لا صوت بكاء ريم حينها..
_ لا تحاول. هزمتك على أية حال..!

وضحكنا..


جلست ريم في حجري , ولم يبدو عليها أنّها تنوي النهوض , في الواقع كنت أستمتع بوجودها قربي . وقفت وردة قليلاً ثمّ ذهبت مسرعة , وعادت وقد جمعت بعض ألعابها, وتوجهت نحو زاهر الذي زجرها بعنف حين حاولت أن تجلس في حجره.

صراخ زاهر جعلها تبكي متألّمة , وكأنّه جرح قلبها.. وقد جرحه فعلا.. قلت

_ ماذا بك زاهر أنّها مجرّد طفلة..؟

قال وهو يتأمّلها بغضب..

_ والأطفال.. ليسوا من ضمن اهتماماتي..!
,, لا أعلم متى ستكبر.. هي في الخامسة الآن .. وما زالت تتصرّف ببلاهة..!

_ هونك زاهر.. !! ما زالت طفلة..!

قلت ذلك وأنا أمدّ لها يدي..
_ تعالي

إندفعت نحوي , وهي تحمل ألعابها بين يديها الصغيرتين ,وأجلستها بحجري بجانب ريمْ.. وقد تبادلتا الضحكات والألعاب. فجأة ودون سابق تخطيط أصبحت أمّاً ثانية لطفلتين , وعليّ تدليلهما دائما, فدموعهما تضعفاننيْ..!

قال زاهر , وهو يتأمّل منظرنا..
_ ماما عزيز.. أريد أن أجلس في حجرك أنا كذلك..!

إبتسمت , وأنا أشعر بالمسؤوليّة اتجاه هاتين الآدميتين القزمتين. صحيح أنّ حجمهما صغير لكنّ الاهتمام بهما يتطلّب مسؤوليّة كبيرة , وكبيرة جدّاً.

أسأل الله أن أكون قادرا على حملها ..!


طرقت أمّ زاهر الباب, ودخلت , توقفت تتأمّل منظر الصغيرتين وأنا ..وهي تبتسم

قالت ..
_ هيّا للعشاء يا صغار ..



كنّا صغاراً حقّاً لكنّني بالنسبة لهما الصغيرتين الأخ الكبير.. وهذا يكفي..!



ogrj gH[gd! gHpgd pgrj




ogrj gH[gd! gHpgd gH[gd! pgrj




 توقيع : أميرة أميري


رد مع اقتباس