عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 09-07-2020
- آتنفسك❀ متواجد حالياً
United Arab Emirates     Female
آوسمتي
لوني المفضل Aliceblue
 إنتسابي ♡ » 184
 آشراقتي ♡ » Sep 2019
 آخر حضور » منذ يوم مضى (11:03 AM)
موآضيعي » 2600
آبدآعاتي » 127,767
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه United Arab Emirates
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » الحمدُلله قولاً وفعلاً وشكراً ورضاً♥
آلقسم آلمفضل  » الأسرة♡
آلعمر  » ❤
الحآلة آلآجتمآعية  » » ✌
الاعجابات المتلقاة » 4058
الاعجابات المُرسلة » 64
 التقييم » - آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute- آتنفسك❀ has a reputation beyond repute
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  
مشروبك   water
قناتك action
اشجع ahli
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 55
تم شكره 3,538 مرة في 2,361 مشاركة
افتراضي تأملات في اسمه تعالى (المجيب)




تأملات في اسمه تعالى (المُجِيب)[1]


الدعاء بهذا الاسم الجليل (المجيب) هو ملاذ كلِّ آيسٍ وطامع، وسبيل كل سالك أو ضائع، فحين تضيق بهم السبل، وتتقطع بهم الأسباب، ويصُمُّ الناس عنهم الآذان، ويُعرِض الأخ عن أخيه، والابن عن أبيه، كلٌّ مشغول بنفسه، أبوابهم مغلقة، والدروب نائية بعيدة - لا يجدون ملجأً ولا ملاذًا ولا بابًا مفتوحًا سوى باب المولى سبحانه وتعالى القريب المجيب، لا يُغْلِقُه في وجه طارق أبدًا، بل هو دائمًا مفتوح ينتظر من يُنيخ عنده الرِّحال؛ فالله تعالى هو الجواد الكريم، السميع البصير، القريب المجيب، الذي يجيب عباده دون سؤال، ويعطيهم فوق حاجتهم عطاءَ جواد كريم لا تنفد خزائنه أبدًا، فاللهم لا تغلق بابك دوننا، ولا تهتِكْ سترنا بذنوبنا ومعاصينا، أنت العفُوُّ الكريم المنان، ذو الطَوْلِ والإنعام.

ومعنى اسمه تعالى (المجيب) كما يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "أنه الذي يقابل مسألة السائلين بالإسعاف، ودعاء الداعين بالإجابة، وضرورة المضطرين بالكفاية، بل يُنعِم قبل النداء، ويتفضل قبل الدعاء، وليس ذلك إلا لله عز وعلا، فإنه يعلم حاجة المحتاجين قبل سؤالهم، وقد علِمها في الأزل، فدبَّر أسباب كفاية الحاجات، بخلق الأطعمة والأقوات، وتيسير الأسباب والآلات، الموصلة إلى جميع المهمات"؛ [المقصد الأسنى]، لكن ينبغي أن يعلم العبد أن الله تعالى ضمِن له الإجابةَ فيما يختاره له، لا فيما يختار العبد لنفسه، وفي الوقت الذي يريد لا الوقت الذي يريده العبد؛ فهو الحكيم الذي لا يُسْأَل عما يفعل وهم يُسْأَلون؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة))؛ [رواه الترمذي]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئتَ، ولكن ليعْزِمِ المسألة وليُعظِّم الرغبة؛ فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيءٌ أعطاه))؛ [رواه مسلم].

وللمجيب عز وجل إجابة عامة وإجابة خاصة؛ فهو يجيب المضطرين ومن انقطع رجاؤهم من المخلوقين، ومن تعلق به طمعًا ورجاءً وخوفًا رغم عصيانهم ومخالفتهم، وأما إجابته الخاصة فهي للمستجيبين له والمتوكلين عليه من عباده، وهو يستجيب في كل ذلك لمن يشاء بحسب ما تقتضيه حكمته، ولا تختص إجابته بأهل الإخلاص وحدهم، بل قد يجيب الله دعاءَ مَنْ لا يدل حالُه على الصدق والإخلاص، ولا تعني إجابةُ دعوته حبَّ الله له وتفضيله إياه، بل ربما كان ذلك استدراجًا، وربما ابتلى الله عبده المؤمن بأنواع المحن والمصائب، لا بسبب بغضه وإبعاده، وإنما ليرفع منزلته ومكانته عنده وإدخاله في عِدادِ الصابرين.

ولا شك أن هناك بعض الأسباب والآداب مَن راعاها وأخذ بها كان قريبا من الله، وأجاب الله دعوته بفضله وكرمه؛ ومن ذلك: التقوى والخوف من الله والإخلاص في القول والعمل؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، فكما يتقبل الله أعمالهم فهو يتقبل دعاءهم، ومن ذلك: المواظبة على الذكر والطاعة، والمداومة على تلاوة القرآن وتدبره، فإذا كان هذا هو غالب حال العبد، استجاب الله له وكشف ما به من ضُرٍّ؛ ففي الحديث الصحيح: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرتُه في ملإٍ خير منهم، وإن تقرب إليَّ بشبرٍ تقربتُ إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً)).

إن الآثار المترتبة على معرفة هذا الاسم الجليل (المجيب) وفهمه فهمًا صحيحًا - عظيمةٌ وكثيرة جدًّا، ويكفي أن يكون على رأسها تصحيحُ علاقة المسلم بربه، وأن يلجأ إليه وحده في السراء والضراء دون وسيط أو شفيع؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله))، وقد خصص القرآن الكريم مساحة كبيرة لمعالجة هذا الخلل في التصور من خلال ما قصه الله علينا من قصص الأنبياء والصالحين؛ ليكون في هذا القصص تثبيت للقلوب، وترسيخ للإيمان بالله وحده، واللجوء إليه في الشدة والرخاء، فحتى أنبياء الله على قربهم ومكانتهم من الله لم يخلوا من الابتلاء بصنوف المحن، ولم يرفعوا أكفَّهم ويتضرعوا سوى لخالقهم ومولاهم، فكان نعم المولى ونعم المجيب.

قال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الصافات: 75، 76]، فبعد صبره على دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا - كما قص علينا القرآن الكريم - وبعد أن ضاقت به السبل بسبب إصرار قومه على الكفر - توجه نوح عليه السلام بالنداء إلى ربه، فأجاب دعوته إجابة كاملة وافية، وحسبُك أن تصدر الإجابة من خير مجيب: الله سبحانه وتعالى؛ لذلك عَبَّرَ بقوله: ﴿ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾، فجمع بين أسلوب المدح وصيغة الجمع التي تدل على قدرة الله المطلقة على كشف الضر وأخذ العصاة؛ حيث نجاه الله وأهله من الكرب العظيم، كرب الطوفان الذي لم ينجُ منه أحد إلا من أراد له الله النجاة وقدَّر له الحياة، ولا شك أن مواطن العبرة في قصة نوح عليه السلام كثيرة جدًّا؛ منها: صبر الإنسان عند الشدائد، وتحمل المشاق في سبيل تبليغ أمر الله، وضرورة الأخذ بالأسباب مع حسن التوكل على الله، والامتثال التام لأمر الله عز وجل، واللجوء إليه دومًا حتى يكشف عنا ما نحن فيه، مع ضرورة تحلي العبد باليقين وعدم التعجل؛ لأن لله تعالى حكمة وسننًا لا يغيرها الاستعجال وكثرة الشكوى، وكل شيء عنده بمقدار؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُسْتَجَاب لأحدكم ما لم يُعَجِّلْ؛ يقول: قد دعوتُ ربي فلم يستجب لي))؛ [متفق عليه].

ويقول تعالى عن نبيه صالح عليه السلام: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]، فنجد نبيَّ الله صالحًا عليه السلام يتلطف في دعوة قومه ويتودد إليهم، فيذكرهم بأصل نشأتهم من الأرض وما كانوا عليه من ضعف وهوان قبل أن ينعم الله عليهم ويستخلفهم في الأرض، ويُغدِق عليهم من عظيم نعمه وسابغ فضله، لكنهم مع ذلك قابلوا النعمةَ بالنكران والجحود، ويطالبهم بالاستغفار والتوبة والإنابة؛ حتى يرفع الله مقته وغضبه عنهم فهو سبحانه قريب مجيب؛ يعني: قريب بالعلم والسمع، مجيبٌ دعاءَ المحتاجين بفضله ورحمته، وقد جاءت جملة ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ استئنافًا بيانيًّا، كأنهم استعظموا أن يكون جُرْمُهُم مما يُقبَل الاستغفارُ عنه، فأُجيبوا بأن الله قريب مجيب، وحرف (إنَّ) فيها للتأكيد تنزيلًا لهم في تعظيم جرمهم منزلة من يشك في قبول استغفاره. والقرب يكون للرأفة والإكرام، أما البعد يُستعار للجفاء والإعراض، والمجيب هنا: مجيب الدعاء، وهو الاستغفار، وإجابة الدعاء: إعطاء السائل مسؤوله؛ [وانظر: التحرير والتنوير لابن عاشور].


وتعد حياة نبي الله أيوب عليه السلام أشهر نموذج وأوضح مثال على تجسيد أعظم صور الصبر على مر العصور، وقد استلهم كثيرون قصته وعالجوها معالجات مختلفة، تتفق كلها في النهاية على أن أيوب عليه السلام كان نموذجًا فريدًا في الصبر، وتدعو إلى الاحتذاء به عليه السلام؛ حيث صبر صبرًا جميلًا وتحمل فوق ما يحتمله البشر، فكافأه الله بأن كشف ضره، وأَعْلَى مكانته، وأثنى على فعله، وجعله قدوة يتأسى بها البشر عندما يتعرضون لأنواع البلاء والمحن، وقد اكتفى القرآن الكريم بإيراد قصته مختصرة؛ لتلائم السياق الذي وُظِّفَتْ فيه، ولتتماشى مع أسلوب القرآن البليغ الذي يعتمد على الإيجاز، ويكتفي بالإشارة والومضة الدالة التي تغني عن الاستطراد؛ يقول تعالى عن هذا النبي الصابر الذي يُضرب به المثل في الصبر والرضا: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84]، ومما يُروى في هذا المعنى: "أن أبا القاسم بن حبيب حضر مجلسًا غاصًّا بالفقهاء والأدباء، فوجدهم مختلفين في قول أيوب عليه السلام: ﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾، وهل يعد ذلك شكاية وجزعًا أو لا؟ وإذا كان شكاية، فكيف وصفه الله سبحانه بقوله: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ﴾؟ فقال أبو القاسم: ليس هذا شكاية وإنما هو دعاء بيانُه قولُه سبحانه: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾، والإجابة تعقُب الدعاء لا الاشتكاء، فاستحسن الحاضرون كلامه وارتضَوه"؛ [انظر: تفسير الثعلبي].


ولا تخلو قصة يونس عليه السلام من دروس وعِبر وعِظات كثيرة، وهي ترمي إلى تصحيح علاقة المرء بربه وبالناس؛ فقد أرسل الله تعالى نبيه يونس بن متَّى عليه السلام إلى أهل نينوى ليدعوهم إلى الإيمان بالله وحده، لكن أهلها جحدوا وتمردوا، ورفضوا الإيمان بما جاءهم به، ولم يتحمل يونس عليه السلام عنادهم واستكبارهم، فقرر مغادرتهم والخروج من تلك القرية نهائيًّا بعد أن ضاق بهم ذرعًا، كان يونس عليه السلام يعتقد أن الله عز وجل لن يُضَيِّقَ عليه الأرض؛ فأرضه واسعة فسيحة، وإذا كانت قريته قد كذَّبَتْه، فما أكثر القرى التي يمكن أن يهاجر إليها، ويقوم بدعوة أهلها إلى الإيمان، ويكون سببًا في هدايتهم إلى الحق!


وقَصَدَ يونس عليه السلام شاطئ البحر، فوجد سفينة مشحونة فركب فيها، حتى إذا كانت السفينة في وسط البحر عصفت الرِّيح وأرعدت السَّماء، وكادت السفينة تغرق بمن فيها، فطلب قائد السفينة من ركابها التخلص من أحدهم بإلقائه في البحر إنقاذًا لسائر الركاب، فاقترع الركاب وألقَوا سهامهم لاختيار واحد من بينهم ليُلقوه في البحر، فوقع الاختيار على يونس عليه السلام، فألقى يونس بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة، ولم يشكَّ أحدٌ للحظة أنه هالك لا محالة، لكن الله عز وجل كان له تدبير آخر، فقد سَخَّرَ حوتًا وأمره أن يكون قريبًا من الشاطئ، وأوحى إليه أن يبتلع يونس عليه السلام بمجرد إلقائه من السفينة دون أن يصيبه بأذًى؛ حتى يكون دليلًا على لطفه وفضله وعظيم إحسانه، ولبِث يونس عليه السلام في بطن الحوت عدَّة أيَّامٍ قبل أن يلفِظَه الحوت على ساحل البحر سليمًا معافًى لم يُصَبْ بأيِّ أذًى.


قال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]، وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: ﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾: فقالت فرقة: استزلَّه إبليس ووقع في ظنِّه إمكانُ أن الله لا يقدر عليه بمعاقبة، وهذا قول مردود، وقالت فرقة: ظن أن لن يضيق عليه في مذهبه من قوله تعالى: ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾ [الإسراء: 30]، وقالت فرقة: هو من القدر؛ أي: ظن أن لن يقدر الله عليه بعقوبة، وقالت فرقة: الكلام بمعنى الاستفهام؛ أي: أَفَظَنَّ أن لن يقدر الله عليه؟ وقال آخرون: ذهب عن قومه مغاضبًا لربه؛ إذ كشف عنهم العذاب بعد ما توعدهم به، وذلك أنه كرِه أن يبقى بين قوم قد جرَّبوا عليه الخلف فيما وعدهم واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي به دفع الله عنهم العذاب والهلاك؛ فخرج مغاضبًا وقال: والله لا أرجع إليهم كذَّابًا أبدًا، وإني وعدتهم العذاب في يوم كذا فلم يأتِ، وفي بعض الأخبار: أن قومه كان من عادتهم أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب، فلمَّا لم يأتِهم العذاب للميعاد الذي وعدهم خشي أن يقتلوه، فغضب وقال: كيف أرجع إلى قومي وقد أخلفتهم الوعد؟ [انظر: المحرر الوجيز لابن عطية، والكشف والبيان للثعلبي].


ومن الأشياء المهمة التي يجب أن نتوقف عندها في هذا المقام ضرورة النظر والاعتبار وتأمل الأسباب التي نَجَّى الله بها عبده ونبيه يونس عليه السلام، فهي تدل على لطف الله وكرمه الواسع، وأنه تعالى يجيب دعوة المضطرين، كما أن يونس عليه السلام كان يذكر ربه في الرخاء ويستغفره، فلما وقع في شدة وضيق نفعه تسبيحُه وذكرُه وثناؤُه على ربه عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، وقوله سبحانه: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾: قيل: "المراد: القائلين: سبحان الله في بطن الحوت"، وقيل: "بل التسبيح هنا الصلاة"، قال ابن عباس وغيره: "صلاته في وقت الرخاء نفعته في وقت الشدة"، وقال الضحاك بن قيس على منبره: "اذكروا الله عباد الله في الرخاء، يذكركم في الشدة؛ فإن يونس كان عبدًا لله ذاكرًا له، فلما أصابته الشدة نفعه ذلك؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، وإن فرعون كان طاغيًا باغيًا فلما أدركه الغرق قال: آمنت، فلم ينفعه ذلك، فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة"، وقال ابن جبير: "الإشارة إلى قوله: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]"؛ [انظر: تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي].


ويُروى أن يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت سمِع أصواتًا فسأل عنها، فأوحى إليه ربه أن هذه الأصوات هي تسبيح الحيتان والبحار لربها، وعندئذٍ ألهمه الله التسبيح والاستغفار، وفي الأثر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدعُ بها مسلمٌ ربَّه في شيء قط إلا استجاب له)).


فسبحان ربي القريب المجيب الذي يسمع دعاء الدَّاعين، فيعجِّل لهم بالإجابة في الدُّنيا أو يدخر ذلك لهم في الآخرة، فقد أجاب دعاء نبيه يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت، وأجاب دعاء إبراهيم عليه السلام وهو في النَّار، وأجاب دعاء زكريَّا فرزقه بالولد بعد أن بلغ من العمر عِتيًّا، وأجاب دعاء أيوب عليه السلام فكشف ما به من ضر، وآتاه أهله ومثلهم معهم رحمة منه ولطفًا، وأجاب دعاء أنبيائه ورسله موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، وأجاب ولا يزال مجيبًا دعاءَ عبادِه وأوليائه، فهو وحده المجيب والمغيث، الذي يجب أن يتوجه العبد بكلِّيَّته إليه لا إلى أحد من خلقه، فلا شك أن استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وكاستغاثة المسجون بالمسجون كما قال بعض الصالحين.


ومما يلفت النظر في تلك الآيات أن وصف إجابة الله دعاء أنبيائه وأوليائه جاء على صيغة: (استفعل) لا على وزن (أفعل)، فقال تعالى: (فاستجاب لهم) بدلًا من (أجابهم)، ولعل صيغة (استفعل) تدل على سرعة إجابة الله تعالى لهم وقربه منهم؛ جاء في تفسير المنار: "قالوا: إن الاستجابة بمعنى الإجابة، وقال الراغب: الاستجابة هي الإجابة، وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيؤ له، لكن عبَّر بها عن الإجابة لقلة انفكاكها منها، وحقيقة الإجابة: وصول سؤال السائل بالفعل، وأما الاستجابة فهي التهيؤ للإجابة والمُضي فيها عند الإمكان، وغايته الإجابة التامة عند عدم المانع، فالسين والتاء على معناهما، ومن دقَّق النظر في استعمال الصيغتين في القرآن الحكيم، يظهر له أن أفعال الإجابة تُذكر في المواضع المفيدة لحصول السؤال كله بالفعل حقيقةً أو ادعاءً دفعةً واحدة، والاستجابة من الله القادر على كل شيء إنما يُعبَّر بها في الأمور التي تقع في المستقبل، ويكون الشأن فيها أن تقع بالتدريج كاستجابة الدعاء بالوقاية من النار، وبالمغفرة وتكفير السيئات، وإيتاء ما وعد به المؤمنين في الآخرة، ومن ذلك استجابته لأيوب وذي النون وزكريا عليهم السلام كما في سورة الأنبياء، كل ذلك مما يقع بالتدريج في الاستقبال، وأما قوله تعالى لموسى وهارون حين دَعَوَا على فرعون وملئه: ﴿ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا ﴾ [يونس: 89]، فهو تبشير لهما بأنه تعالى قد قبِلها بالفعل، وهذا من الإجابة القولية جاءت بصيغة الماضي للإيذان بتحقق مضمونها في المستقبل، حتى كأنها أُجيبت وانتهى أمرها، وهذا المعنى تؤديه مادة الإجابة دون مادة الاستجابة، ولو ذُكرت هذه المسألة بصيغة الحكاية لعبَّر عن إعطائهما ما سألا بلفظ الاستجابة؛ كما قال في شأن كل من أيوب وذي النون وزكريا: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾، فيا للعجب من هذه الدقة والبلاغة في هذا الكلام الإلهي المعجز للبشر حتى في وضع مفرداته في مواضعها، دَعْ بلاغة أساليبه وجمله، وعلومه وحِكمه، وما فيه من أخبار الغيب، وغير ذلك من الآيات البينات! وقيل: إن الفرق بين الإجابة والاستجابة هو أن الاستجابة تدل على القبول، ولا يُعرف له أصل منقول ولا معقول"؛ [انظر: تفسير المنار بتصرف].


والتخلق بهذا الاسم الجليل (المجيب) يكون بأن يجيب العبد ربه فيما أمره ونهاه، ويتلقى المسلمين بلطف الجواب وإسعاف السؤال، فالعبد إذا أجاب ربه أجابه وأغاثه، ومن أعظم أسباب الفرج دعاؤه تعالى والتضرع له، وذِكره بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والصبر عند البلاء والتحلي بأخلاق الصابرين، الذين لا يقنطون من رحمة ربهم أبدًا، واليقين بأنه تعالى وحده هو القادر على تفريج كرباتهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف: 5]: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾: معنى الاستفهام فيه إنكارُ أن يكون في الضلال كله أبلغُ ضُلَّالًا من عبدة الأصنام؛ حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على تحصيل كل بغية ومرام، ويدعون من دونه جمادًا لا يستجيب لهم، ولا قدرة به على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا وإلى أن تقوم القيامة، وإذا قامت القيامة وحُشِرَ الناس كانوا لهم أعداء، وكانوا عليهم ضدًّا، فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة، لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة، وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم.


وما أجمل قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]! وما أعظم أثره في النفوس! حيث يدل سياق الآية الكريمة على سرعة إجابة الله الدعاء شريطة أن يستجيب العبد لأوامره، ويقوم بواجباته ويتوكل عليه حق توكله، ويلاحظ أن هذه الآية الكريمة قد تكررت فيها حروف اللِّين والمدِّ وهي: الواو والياء والألف عشر مرات؛ فالموقف موقف دعاءٍ وخشوعٍ، والدُّعاء يناسبه الرِّقَّة والانكسار وهو ما تجسده هذه الأحرف؛ وقد قال تعالى: ﴿ فَإِنِّي قَرِيب ﴾، ولم يقل: "فقل لهم إني قريب"، وفي هذا تشريف ورفع لأقدار العباد فهم يرتفعون بالدعاء، كما أنهم سألوا عن معنى شريف فناسبه صدور الإجابة من الله تعالى عليهم بنفسه، وهذا معنى لطيفٌ استنبطه وتوقف عنده العلماء، والله تعالى أعلم.


اللهم أنت القائل وقولك حق وصدق: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، اللهم فاكشف عنا ما نحن فيه، وانصر هذه الأمة وارفع الغمَّة عنا، وأنت القائل: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، ونحن ندعوك ونلتجئ إليك مضطرين أن ترفع مقتك وغضبك عنا، ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 193، 194]، اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنى، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، واختم لنا بخاتمة السعادة وأَمِتْنا على كلمتي الشهادة. آمين.


[1] بقلم: الأستاذ الدكتور/ وجيه يعقوب السيد - الأستاذ بقسم اللغة العربية - كلية الألسن - جامعة عين شمس.





jHlghj td hsli juhgn (hgl[df) hglodf juhg[




jHlghj td hsli juhgn (hgl[df) hglodf hsli jHlghj juhg[




 توقيع : - آتنفسك❀

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ - آتنفسك❀ على المشاركة المفيدة:
 (10-07-2020),  (09-07-2020)