الموضوع: خاتم النبيين (4)
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 26-06-2022
غيمہّ فرٌح متواجد حالياً
Saudi Arabia    
آوسمتي
لوني المفضل Azure
 إنتسابي ♡ » 420
 آشراقتي ♡ » Jan 2020
 آخر حضور » منذ 2 يوم (08:36 PM)
موآضيعي » 7570
آبدآعاتي » 516,681
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » الآسلامي♡
آلعمر  » ❤
الحآلة آلآجتمآعية  » » ❤
الاعجابات المتلقاة » 20905
الاعجابات المُرسلة » 13336
 التقييم » غيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond reputeغيمہّ فرٌح has a reputation beyond repute
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع valencia
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 12,056
تم شكره 14,397 مرة في 7,793 مشاركة
Q54 خاتم النبيين (4)



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير البرية أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
فمرحبًا بكم في برنامجكم خاتم النبيين. وقد ذكرنا في الحلقة السابقة الإرهاصات والمقدمات للنبوة، وكيفية بداية الوحي وأنواعه، وما هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأثناء، وكيف كان موقف خديجة رضي الله عنها وغير ذلك، ونستكمل في تلك الحلقة بداية الدعوة ومرحلتها السرية والجهرية؛ فبعد نزول آيات المدثر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله عز وجل؛ ولكنه بدأ تلك الدعوة سرًّا، فبدأ بالدائرة الصغيرة الملتصقة به عليه الصلاة والسلام؛ وهم أهل بيته، ثم بجلسائه والمقربين منه، وهذا كله كان سرًّا، والأصل في الدعوة أن تكون جهرًا وعلانيةً، ولكن الظروف المحيطة بالمجتمع آنذاك تقتضي السرية في الدعوة، وكان من أدلة هذه الدعوة السرية ما رواه ابن إسحاق، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عز وجل عليه وعلى العباد من تلك النبوة سرًّا إلى من يطمئن إليه من أهله. وأيضًا كذلك نقل الواقدي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيًا إلى أن أمر بالظهور. وفي صحيح البخاري ومسلم في قصة إسلام أبي ذرٍّ رضي الله عنه، وقدومه إلى مكة، ووصوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غاية التكتم والحذر، وبعد إسلامه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذرٍّ، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل))؛ رواه البخاري ومسلم. وكانت تلك البداية السرية بالدعوة حفاظًا على الدعوة، وعلى هؤلاء الذين آمنوا بها.

والمتأمل في تلك الدعوة السرية في بداية الإسلام يعلم أنها للأفراد وليست للقبائل، وأنها لـلقريبين من الأهل والأصدقاء والأقارب ونحوهم حتى يقوى عود تلك الدعوة، وأيضًا كذلك من أجل عدم مجابهة قريش بذلك. وكانت الدعوة السرية في توجيههم للحق والثبات عليه ونحو ذلك، ثم بعد ذلك قويت تلك الدعوة، وصار لها رواجًا وإن كان محدودًا أيضًا، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم مكانًا لاجتماعه بمن أسلم من الصحابة، وكانت تلك الدعوة السرية لمدة ثلاث سنين, وكان أول من أسلم من النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها؛ بل هي أول من آمن به عليه الصلاة والسلام، ثم تتابع بعد ذلك الدخول في الإسلام، فأسلم علي وأبو بكر وزيد، وفي ترتيب هؤلاء خلاف؛ لكن يقول بعضهم: أول من أسلم من النساء خديجة, ومن الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الغلمان علي؛ حيث أسلم وهو ابن ثماني سنين، ومن الموالي زيد، وكل من أسلم دعا غيره إلى دين الله عز وجل حتى اتسعت دائرة الدخول في الإسلام والإيمان بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا هو شأن المسلم إذا هداه الله عز وجل إلى خير فليدعُ غيره إليه، فقد أسلم على يد أبي بكر رضي الله عنه ثُلَّةٌ كبيرة من الصحابة، بل ومنهم عدد من المبشرين بالجنة، ودار الأرقم بن أبي الأرقم هي الدار التي اجتمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حال نشاط الدعوة السرية، فكان يذكرهم عليه الصلاة والسلام بالله تعالى، ويتلو عليهم القرآن، ويربيهم على الفضائل حتى يثبتوا على دين الله عز وجل، وكانت شخصيته عليه الصلاة والسلام بتعاليمه الحكيمة وأخلاقها العالية مؤثرةً على هؤلاء كثيرًا.

بل إن المدعو للإسلام عندما يلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يحصل له تأثُّر عجيب واهتداء وهدى، ثم يخرج من خلال هذا اللقاء الإيماني الدعويّ من الظلمات إلى النور، كيف لا وهذا رسول رب العالمين المؤيد بالوحي من ربه عز وجل؟!

وكان عليه الصلاة والسلام في تلك الأثناء يُوحَى إليه فيسمع الصحابة رضي الله عنهم منه القرآنَ طريًّا، ثم يتلونه كما سمعوه، وهم إذا سمعوا تأثروا؛ لأن تلك الآيات تجري في عروقهم، وقد كان بعضهم كذلك قبل إسلامه، فكيف به بعد ذلك؟! ثم بعد ذلك اتسعت تلك الدعوة السرية؛ حيث أسلم من كل قبيلة عدد منهم، فأبو بكر من تميم، وعثمان من بني أمية، والزبير بن العوام من بني أسد، ومصعب من بني عبد الدار، وعلي بن أبي طالب من بني هاشم، وهكذا أسلم من كل قبيلة عدد؛ مما جعل الأمر يستفحلُ نسبيًّا، وينتشر شيئًا فشيئًا، وهذهِ إرادة رب العالمين لنبيه وعباده المؤمنين. وقد جاءت الدعوة ومن خصائصها الصدعُ والبيان والإنذار، وقد كان الإصرار قبل ذلك لضرورة فرضها الواقع، فلما أسلم من كل قبيلة عدد منهم كان ذلك فرجًا ومخرجًا للأمة المسلمة؛ أن تنتقل من السرية إلى الجهرية النسبية، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والقرآن يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم موجهًا ومربيًا ومثبتًا لهم، فكانوا رضي الله عنهم خيرَ منصتٍ ومستمعٍ ومتأثر بذلك الوحي.

إن ما سبق من السنين كان إعدادًا لتلك الدعوة، وبعد ذلك الانتشار في القبائل في مكة وغيرها لتلك الدعوة، وهذه النبوة كثر أتباعها فجاء دورُ الجهر بالدعوة والصدعِ بها وإعلانها، فنزل قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214].

فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صعد الصفا، فجعل ينادي لبطونٍ من قريش: ((يا بني فهر، يا بني عدي))، وغيرهم، حتى اجتمع كبارهم ومَنْ دونهم فقال: ((أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تُغير عليكم، أكنتم مصدقيَّ؟)) قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))، فقال أبو لهب: تبًّا لك! ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1] إلى آخر السورة؛ رواه البخاري. وفي رواية مسلم أنه قال عليه الصلاة والسلام لكل قبيلة: ((أنقذوا أنفسكم من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئًا))، وهناك روايات أخرى لكنها كلها تتفق على الجهر بالدعوة والإنذار. وبعد هذا الجهر بالدعوة دخل الناس أفواجًا وأرسالًا من الرجال والنساء، وكان ذلك كذلك؛ لأن الفطرة الموجودة في قلب كل واحد منهم هي متوافقة مع هذا الوحي المبارك، فالذي خلق الأنفس وفطرها هو الذي أنزل الوحي وأمر باتِّباعه، فالخالق هو الله، والذي أوحى هو الله، فلا عجب أن يدخل الناس في دين الله تعالى أفواجًا، وفي هذا مجال خصب للدُّعاة أن يدعوا إلى دين الله عز وجل، فهم حين يفعلون ذلك فإن معهم الأصل وهو الوحي والفطرة؛ ولذلك نرى الاستجابة من غير المسلمين للدخول في الإسلام سريعةً بخلاف المللِ والنحلِ الأخرى، وهذا يعني أن عدد المسلمين سيزيد، وسيكون لهم شأنٌ وتأثيرٌ كبير وعظيم، ولاحظ معي أخي الكريم أن تبدأ المرحلة الجهريةُ بالعشيرة الأقربين ليكونوا عونًا على الدعوة ونصرتها، فالمقربون أرجى من غيرهم. وقد جاءت الآيات المكية لتوضح عالمية الدعوة؛ كقول الله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وبعدها بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يغشى أنديتهم يدعوهم، وفي المواسم أيضًا يدعوهم هو ومَنْ معه من المؤمنين، وكانت النتيجة من خلال هذا الجهر بالدعوة أن آمن كثير من الناس؛ لأنهم وجدوا ما يوافق فطرتهم السليمة.

ومن جهة أخرى بقي أُناس معاندون آخرون، لم يكتب الله عز وجل لهم الهداية والإيمان، فبدأوا يُحرِّضون على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، واشتدَّ الصراع، ووجدت عقبات كبيرة وعظيمة في هذا الشأن، وهذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

أما الدروس المستفادة مما سبق فهي كثيرة جدًّا؛ لكن نذكر منها ما يلي:
الدرس الأول: الحكمة في الدعوة أمر مهم وغاية في الأهمية؛ لأن الداعية يريد تحقيق ما يدعو إليه، وإذا كان ذلك بغير الحكمة فإن هذا لا يتحقق، فالحكمة ضالَّةُ المؤمن، وهذا مأخوذ من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم التي فطرهُ الله عليها من بداية الدعوة بالسرية حتى يقوى عودها ويقوم لها ما يديرها ويحركها ويقويها، لكن لو جهر من أول مرة لكان أمرًا مستغربًا على ذلك المجتمع، ولكان الرد للدعوة قد يكون هو المقابل لها. فعلى الداعية في دعوته لأي أحد أن يتوخى الحكمة في قوله وفعله وطريقته، فالحكمة مِفْتاح النجاح، ومن الحكمة اختيار المكان المناسب والزمان المناسب مع الأسلوب المناسب، وأيضًا التدرُّج في ذلك شيئًا فشيئًا حتى يتحقق الهدف على أرضِ الواقع.

الدرس الثاني: إن مما يشرع للمسلم أنه إذا هداه الله عز وجل إلى عمل من الأعمال الصالحة أن يسارع في دلالة الآخرين إليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله))؛ رواه مسلم. وهذا ميدان فسيح للتسابق إلى الخيرات وهو من الصدقة الجارية، وقد أخذنا هذا من فعل الصحابة رضي الله عنهم في الدعوة السرية والجهرية أيضًا، أن من أسلم أو تعلم شيئًا من أمور دينه دعا إليه غيرَه من الناس؛ ولذلك أسلم على يد أبي بكر رضي الله عنه عددٌ كبيرٌ من الصحابة، بعضهم من المبشرين بالجنة، فجميع أعمالهم هي في موازين أبي بكر رضي الله عنه، فيا أخي الكريم، اجعل لك في ذلك منهجًا في دلالة الآخرين على الخير، ولو تدعو في كل يوم واحدًا من الناس أو تدلُّه على خير، فإنك بذلك تجري لك الصدقات والأجور من حيث لا تشعر. وأذكر هنا موقفًا يسيرًا وعظيمًا أيضًا في نفس الوقت لأحد الإخوة حيث اجتمع ثُلَّة من الرجال فذكر أحدهم فضيلة صيام يوم الاثنين في خلال كلمة يسيرة لا تتعدى دقيقتين وأيضًا هي في عبارة سريعة؛ فما كان من أحد هؤلاء الجالسين بعد قيامهم وانصرافهم، إلا أن طرح ذلك على زوجته فاتفقا على صيام هذا اليوم فصاموه بعد ذلك ثلاثين عامًا، فكانت محصلة ما صاموه خلال هذه الثلاثين عامًا هو ثلاثة آلاف يوم، كلها في ميزان ذلك المتحدث، فماذا لو كنا كذلك في مجالسنا، فلا شك أن الخير سينتشر ويعمُّ، وتمتلئ موازيننا بالخير من حيث لا نشعر.

الدرس الثالث: إن التغذية الراجعة لتقوية الإيمان في القلب والجوارح غاية في الأهمية، وذلك لتزكية النفس وتطهيرها وشحذ الهمم في التسابق إلى الخيرات وتعزيز ذلك في النفوس، وذلك من خلال اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة في أواخر الدعوة السرية في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فجمعهم فيها عليه الصلاة والسلام يذكرهم ويربيهم ويزكي نفوسهم، فبيوتنا كلها دار الأرقم، فلماذا لا تكون بيوتنا مقرًّا لتزكية النفوس وتربيتها من خلال استحداث حلقة ذكر أو درس تربوي إيماني لأولادنا ولو مرتين في الأسبوع؟! فإن هذا له أثره الكبير في تربية الأولاد وتزكية نفوسهم وجلب الملائكة إلى هذا البيت، وفي ذلك من المصالح العديدة ما لا يحصيه مثل هذا المقام، فسارع أخي المستمع الكريم إلى ذلك فهو خير عظيم، ولعله أن يكون صدقة جارية لك عندما يسري ذلك في أحفادك وأولادهم.

الدرس الرابع: إن صفة الصدق صفة عظيمة جليلة، وبها يعرف الشخص في أعماله وأقواله، وتطمئن له النفوس وتحبه وتميل إليه، وهذا مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكنتم مصدقي؟)) عندما صعد إلى الصفا، فقالوا: ما جربنا عليك إلا صدقًا مع أنهم أعداؤه وعلى غير مِلَّته، فقد عرفوه بالصدق دائمًا، فلم يسمعوا عنه كذبًا أبدًا، فماذا لو كنا كذلك في أعمالنا أو أقوالنا أو مجالسنا نصدق مع الخالق والمخلوق؟ فلا شك أن كثيرًا من الإشكالات ستزول، وسيكون ذلك المجتمع الصادق هو المجتمع المسالم والمطمئن، وتسوده الأمانة والنصح، وستكون القلوب بيضاء سليمة وأيضًا متحابَّة؛ لأن آثار الصدق ظهرت في ذلك المجتمع، فما أحوجنا إلى ذلك!

الدرس الخامس: على الداعية في دعوته، بل على المسلم في جميع شؤون حياته أن يسير من خلال توجيهات القرآن الكريم؛ فإنها وحيٌّ وهي معصومة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته بنفسه ثم بحُرٍّ وعبْدٍ وهكذا، حتى بلغت دعوته ما بلغ الليل والنهار؛ لأنه يسير على هدى تعليمات القرآن الكريم، فإن هذا الكتاب العظيم هو منهج حياة للفرد والجماعة.

إن مشاكل العالم لو عرضت على الوحي لزال إشكالها، فكيف بالمشكلات الجزئية والفردية، ولكن الخلل يكمن في البحث عن هذه الكنوز الربانية في القرآن؟ والله عز وجل يقول: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، فلا بد أن يوجد حل بشكل صريح أو تلميح، فالسائر مع توجيهات الوحي سواءً كان فردًا أو جماعة فهو ناجح في سيره وسيرته، وفي دعوته ومنهجه، وليكن هذا السير على فهم السلف رضي الله عنهم؛ لا على تأويلات ملتوية، فما من حال تمرُّ عليك في يومك وليلتك إلا وفي القرآن والسنة ذكر لها، وحل لإشكالها، وتنمية لها، ولكن هذا لا يدركه كل أحد ولكن كما قال الله عز وجل: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].

إن المتأمل في نصوص القرآن والسنة يعلم أنها عالجت كل مشاكل الأُمَّة المسلمة، ولكن الإشكال يكمن في قلة تدبُّرنا وتأمُّلنا لنصوص الكتاب والسنة.

الدرس السادس: إن الكلمة التي يلفظها اللسان وقد لا يتأملها صاحبُها؛ قد تؤدي به إلى المهالك (والبلاء موكل بالمنطق)، فإطلاق الكلمات جُزافًا من دون تأمل هو مهلكة ومقتلة، ويتضح ذلك عندما قال أبو لهب للنبي صلى الله عليه وسلم: "تبًّا لك! ألهذا جمعتنا؟!" إنها كلمة يسيرة لكن نزل بها الحكم الرباني يُتلى إلى يوم القيامة بالحكم على قائلها أنه من أهل النار وهو حي يمشي بين الناس، فالكلمة لها وزنها وثقلها وهي داء أو دواء؛ فتأمَّل كلماتك ولفظاتك سواء في حق الخالق أو في حق المخلوق، وإن الكلمة هي سبب لملء موازين الخير والشر بالحسنات والسيئات، فإن اللسان من أوسع الجوارح في جلب الحسنات والسيئات؛ ولهذا يدخل الإسلام بكلمة وقد يخرج منه بكلمة، فاحذر آفات لسانك وفلتاته.

الدرس السابع: ليس غريبًا أن يدخل الناس في هذا الدين أفواجًا في السابق والحاضر؛ لأن هذا الدين متوافق مع الفطر المركوزة في قلوب الخلق وعقولهم، فعلى الدُّعاة استثمار ذلك، ومن شواهد هذا أن نرى المسلم الجديد قد يكون سببَ إسلامِه أمرٌ يسيرٌ، وهذا كثيرٌ تحدِّثنا عنه جمعيات الدعوة والإرشاد في مملكتنا الغالية، ويتضح هذا من إقبال الأمة على النبي صلى الله عليه وسلم في خلال الدعوة السرية والجهرية؛ حيث دخلوا أفواجًا، فعندما تتحدَّث أخي الكريم مع أحد عن شيء مركوز في فطرته، فإنه سيستجيب لك بإذن الله عز وجل، فكن داعيًا بقولك وفعلك، فما أسهل الاستجابة داخل هذا الدين القويم!

الدرس الثامن: في قوله عز وجل: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، علينا جميعًا الاهتمام بذوي القربى في دلالتهم على الخير قولًا وفعلًا، فهم أقرب الناس إلينا، ولهم حق كبير في توعيتهم، وإن مما يسهل ذلك كثيرًا وسائل التواصل، فما أسهل أن تعمل خيرًا عظيمًا مع أسرتك بمسماها العام من خلال تلك الوسائل تثقيفًا وتربيةً وتوجيهًا إيمانيًّا، فإن لك مثل أجورهم، فهي فرصة عظيمة لمن تأملها، فاجعل لك منهجية في ذلك ولو بدأت بفضائل الأعمال والأقوال وأرسلت إليهم كل يوم عملًا فاضلًا لكان ذلك في موازينك، واحرص على النصوص الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم واترك ما سواها.

الدرس التاسع: إن تلك الدعوة إلى هذا الدين القويم هي محاطة بحفظ الله عز وجل له؛ لأنه هو الذي أنزلها وهو الذي شرعها فهي محفوظة، بل ومزيدًا على ذلك الحفظ بأن شيئًا من الكون قد يتغير إذا أراد الله عز وجل ذلك فالبحر في عهد موسى صار يابسًا بأمر الله والنار التي طرح فيها إبراهيم صارت بردًا وسلامًا لا تحرق، والسكين التي سيذبح بها إسماعيل لم تذبح بأمر الله، والشمس وقفت ليوشع عليه السلام، والحوت لم يأكل يُونُسَ، فالله عز وجل حافظ دينه وعباده.

وهكذا قد تتغيَّر بعض المسلمات بأمر الله عز وجل، وهذا دليل كبير على أن هذا الدين هو الدين الحق المنزَّل من عند الله عز وجل.

أخي الكريم، إن دراسة السيرة مع تأمُّل دروسها وعبرها هي منهج للأمة جميعًا في جميع أحوالهم الشرعية والتربوية والاجتماعية والتجارية وغيرها في جميع أحوالهم في أن يسلكوا منهج نبيهم عليه الصلاة والسلام مستلهمين في ذلك ما يكون منهج حياة لهم، فهم بذلك يدرسون حياة المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإذا كانوا كذلك فإنه لا شك أن أحوالهم سيزول إشكالها، وإن إيجابياتهم ستكثر, وعندما يفعلون ذلك فإنما يربون عليه أولادهم وأحفادهم, وهكذا يكون العمل من الآباء والأمهات على أولادهم وأحفادهم وإن نزلوا، يكون صدقة جارية لهم يعلمونهم ويزكُّون أنفسهم. وما يدريك أخي الكريم لو أنك جمعت أولادك، ثم جعلت لهم درسًا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تأهَّلوا إلى أن يعلموا أولادهم، ثم أولادهم يعلمون أولادهم وهكذا وإن نزلوا، فيكون هذا العمل وقفًا لك وصدقةً جارية لك.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح نيَّاتنا وذريَّاتنا، وأن يوصلنا إلى دار السلام بسلام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


ohjl hgkfddk (4) 4 phjl




ohjl hgkfddk (4) 4 hgkfddk phjl




 توقيع : غيمہّ فرٌح

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ غيمہّ فرٌح على المشاركة المفيدة:
 (06-07-2022),  (28-06-2022)