منتديات انفاس الحب

منتديات انفاس الحب (https://a-al7b.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ أنفاس الرسول والصحابة الكرام ۩۞۩ (https://a-al7b.com/vb/forumdisplay.php?f=125)
-   -   أبو موسى وعمه أبو عامر الأشعريان وقصة عجيبة (https://a-al7b.com/vb/showthread.php?t=99369)

أُرجُوَان . 13-10-2023 07:06 AM

أبو موسى وعمه أبو عامر الأشعريان وقصة عجيبة
 
هناك بَونٌ شاسع بين حال الصحابة الكرام وبين حالنا في كل الجوانب؛ جانب الإيمان والقلوب، وجانب العبادات، وجانب الأخلاق والمعاملات، ولا عجبَ في ذلك؛ فالله قد زكَّاهم في كثير من الآيات؛ فقال سبحانه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا أصحابي؛ فلو أن أحدَكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم، ولا نَصِيفه))؛ قال النووي رحمه الله تعالى في منهاجه: "وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال، بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ﴾ [الحديد: 10]؛ الآية، هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد، والخشوع والتواضع، والإيثار والجهاد في الله حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل، ولا تُنال درجتها بشيء، والفضائل لا تُؤخَذ بقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

وقد صدق ابن مسعود رضي الله عنه حينما قال: "من كان منكم مُستنًّا فليستنَّ بمن قد مات؛ فإن الحيَّ لا تُؤمَن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد أبرُّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقَّهم، وتمسكوا بهدْيِهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على أصحابه؛ فقد قال في الحديث السابق ذكره: ((لا تسبوا أصحابي))، وقد قال الله عنه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]؛ قال السعدي رحمه الله: "﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128]؛ أي: يشُقُّ عليه الأمر الذي يشق عليكم ويُعْنِتكم، ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [التوبة: 128]، فيحب لكم الخير، ويسعى جَهدَه في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه، ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]؛ أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم".

ولهذا كان حقُّه مُقدَّمًا على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمانُ به، وتعظيمه، وتعزيرُه، وتوقيره؛ وقال ابن عاشور: "فجاءت خاتمة هذه السورة آيتين بتذكيرهم بالمنَّة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، والتنويه بصفاته الجامعة للكمال، ومن أخصها حرصه على هداهم، ورغبته في إيمانهم، ودخولهم في جامعة الإسلام؛ ليكون رؤوفًا رحيمًا بهم، ليعلموا أن ما لقِيَه المعرضون عن الإسلام من الإغلاظ عليهم بالقول والفعل ما هو إلا استصلاحٌ لحالهم، وهذا من مظاهر الرحمة التي جعلها الله تعالى مقارِنةً لبعثة رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، بحيث جاء في هاتين الآيتين بما شأنه أن يُزِيل الحَرَجَ من قلوب الفرق التي نزلت فيهم آيات الشدة، وعُومِلوا بالغلظة؛ تعقيبًا للشدة بالرفق، وللغلظة بالرحمة، وكذلك عادة القرآن، فقد انفتح بهاتين الآيتين باب حظيرة الإيمان والتوبة؛ ليدخلها من وفَّقه الله إليها".

معي حديث عجيب يظهر فيه فضل الصحابة الكرام، وعِظَمُ فَهمهم للدين وفهمهم لحالهم، وقدر ربهم، وكذا يظهر فيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صحابته، ورأفته بهم ورحمته: ((لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حُنَينٍ، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاسٍ، فلقِيَ دُرَيد بن الصِّمَّة، فقُتل دريدٌ وهزم الله أصحابه، فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، قال: فرُمِيَ أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جُشَم بسهم، فأثبته في ركبته فانتهيت إليه، فقلت: يا عمِّ من رماك؟ فأشار أبو عامر إلى أبي موسى، فقال: إن ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته، فلما رآني ولَّى عني ذاهبًا، فاتبعته وجعلت أقول له: ألَا تستحيي، ألست عربيًّا؟ ألَا تثبت، فكَفَّ، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته، ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت: إن الله قد قتل صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، فقال: يا بن أخي، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي، قال: واستعملني أبو عامر على الناس، ومكث يسيرًا، ثم إنه مات، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه، وهو في بيت على سرير مُرْمَلٍ، وعليه فراش، وقد أثَّر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له: يستغفر لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: اللهم اغفر لعُبَيدٍ أبي عامر حتى رأيت بياضَ إبْطَيْهِ، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثيرٍ من خلقك - أو من الناس - فقلت: ولي، يا رسول الله، فاستغفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا، قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى))؛ [أخرجه البخاري (4323)، ومسلم (2498)].

ونستفيد من هذا الحديث المبارك دروسًا وعِبرًا وفوائدَ كثيرة؛ منها:
1- من حكمة القائد أن يرسل في أثر فلول العدو من أجل أن يقطع دابرهم، وينبغي ألَّا يطمئن لهؤلاء الكفار، مهما كان ما يظهر من ضعفهم وهوانهم؛ فقد أرسل النبي هنا الصحابيَّ في أثر الكفار.

2- مكانة ومنقبة وشجاعة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه؛ حيث أرسله صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس، فلم يتوانَ ولم يجبُن.

3- شجاعة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وعظم حيلته ومكره بهذا الكافر؛ حيث قال: (فقصدت له فاعتمدته فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهبًا، فاتبعته وجعلت أقول له: ألَا تستحيي، ألست عربيًّا؟ ألا تثبُت، فكف، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته).

4- حب الصحابة لنبيهم وسيدهم وقرة أعينهم صلى الله عليه وسلم؛ فها هو أبو عامر رضي الله عنه لما شعر بقرب أجله، أمر ابن أخيه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بالانطلاق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب أن يستغفر له؛ فقال رضي الله عنه: (انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي).

5- عظم فقه وفهم أبي عامر رضي الله عنه؛ فقد كان أقصى أمله ورجائه أن يغفر الله له، فأين ذلكم الصحابي من حال الكثيرين اليوم لما يصلي صلاة، أو يصوم يومًا، أو يطعم مسكينًا، يعجب بعمله، وينسى تقصيره وذنوبه، وهذا هو حال الكُمَّل من الرجال؛ فهم يعرفون قدر أنفسهم، ويقدرون لله قدره؛ قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 146 - 148].

قال: دعاؤهم رغم جهادهم الاستغفار؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]؛ قال السعدي: "فمن قام بهذه الأعمال الثلاثة على لَأْوائِها ومشقتها، كان لغيرها أشدَّ قيامًا به وتكميلًا، فحقِيقٌ بهؤلاء أن يكونوا هم الراجون رحمةَ الله؛ لأنهم أتَوا بالسبب الموجِب للرحمة، وفي هذا دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بعد القيام بأسباب السعادة، وأما الرجاء المقارِن للكسل، وعدم القيام بالأسباب، فهذا عجز وتمنٍّ وغرور، وهو دالٌّ على ضعف همة صاحبه، ونقص عقله، بمنزلة من يرجو وجود ولد بلا نكاح، ووجود الغلة بلا بذر وسَقْيٍ، ونحو ذلك؛ وفي قوله: ﴿ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 218]، إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى به، لا ينبغي له أن يعتمد عليها، ويعوِّل عليها، بل يرجو رحمة ربه، ويرجو قبول أعماله ومغفرة ذنوبه، وستر عيوبه؛ ولهذا قال: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾؛ أي: لمن تاب توبة نصوحًا، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]، وسِعت رحمته كل شيء، وعمَّ جوده وإحسانه كل حي، وفي هذا دليل على أن من قام بهذه الأعمال المذكورة، حصل له مغفرة الله؛ إذ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات، وحصلت له رحمة الله، وإذا حصلت له المغفرة، اندفعت عنه عقوبات الدنيا والآخرة، التي هي آثار الذنوب، التي قد غُفِرت واضمحلت آثارها، وإذا حصلت له الرحمة، حصل على كل خير في الدنيا والآخرة، بل أعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم، فلولا توفيقه إياهم، لم يريدوها، ولولا إقدارهم عليها، لم يقدروا عليها، ولولا إحسانه لم يتمها ويقبلها منهم، فله الفضل أولًا وآخرًا، وهو الذي مَنَّ بالسبب والمسبَّب".

جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات مرة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))، أفضل الخلق يقول لأفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ذلكم الدعاءَ، وأعجب من ذلك أن الله تبارك وتعالى أنزل على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم سورة التوديع؛ سورة النصر، فانظر بِمَ أمره الله؟! ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]؛ قال السعدي رحمه الله: "فأمْرُ الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجَلَهُ قد انتهى، فليستعدَّ ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضلَ ما يجده صلوات الله وسلامه عليه.

فكان صلى الله عليه وسلم يتأول القرآن، ويقول ذلك في صلاته، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي".

6- زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا؛ فقد قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مُرْمل، وعليه فراش قد أثَّر رمال السرير بظهره وجنبيه)؛ أي: أثرت في ظهره وجنبيه حبال الحصر التي تضفر بها الأسرة، وقد كان ذلك حاله عليه الصلاة والسلام؛ فقد دخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مَشْرُبة له، وقال: ((فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثَّر الرمال بجنبه، متكئ على وسادة من أَدَمٍ، حشوُها لِيفٌ، ثم قال: فجلست حين رأيته تبسَّم، ثم رفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر غير أَهَبَةٍ ثلاثة، فقلت: ادعُ الله فليوسِّع على أمتك؛ فإن فارسَ والروم وُسِّع عليهم، وأُعطوا الدنيا، وهم لا يعبدون الله، وكان متكئًا فقال: أوَ في شك أنت يا بن الخطاب؟ أولئك قومٌ عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: يا رسول الله، استغفر لي))، وتأمل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه هنا لما قال: (يا رسول الله، استغفر لي)؛ فقد كان ذلك دَيدَنهم رضي الله عنهم؛ يخافون ربهم ويخشَونه، ويفرَقُون من الوقوف بين يديه.

7- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وعلى تلبية دعواتهم؛ قال أبو موسى الأشعري: (فدعا بماء، فتوضأ، ثم رفع يديه)، بسرعة طلب الماء ليتوضأ، ثم رفع يديه حرصًا على صاحبه أبي عامر رضي الله عنه.

8- يُستفاد منه استحباب التطهير لإرادة الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء خلافًا لمن خص ذلك بالاستسقاء؛ قاله ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الفتح، وقال النووي في المنهاج: "فيه استحباب الدعاء، واستحباب رفع اليدين فيه، وأن الحديث الذي رواه أنَسٌ أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاثة مواطن محمول على أنه لم يَرَهُ، وإلا فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنًا".

9- استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم بربه سبحانه؛ ليغفر لصاحبه؛ قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (ورأيت بياض إبطيه).

10- اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للفظ العبودية بين يدي دعائه لأصحابه؛ فقد قال هنا: (اللهم اغفر لعُبيدٍ أبي عامر)، فذكر اسم أبي عامر (عبيدًا)، ولم يكتفِ بكنيته صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال: (اللهم اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه)، وكذا لما طلب أبو هريرة منه الدعاء؛ قال: ((اللهم حبِّب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين))، ولعل ذلك ما في لفظ العبودية من الاسترحام ورجاء المغفرة.

11- كرم النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء لأصحابه، فقد زاد على طلب الصحابي أبي عامر الاستغفار؛ فقال: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس)، وزاد على طلب أبي موسى، فقال: (وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا)، ولعل ذلك من خبرته بصحبه ورجائهم، وما يستحقونه من دعاء.

12- فيه أن الجنة درجات: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس)، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الجنة يتراءَون أهلَ الغُرَفِ من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدريَّ الغابر في الأفق، من المشرق أو المغرب، لتفاضلِ ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)).

13- قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (فقلت: ولي فاستغفر، فقال: اللهم اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا)؛ ففيه اهتباله رضي الله عنه الفرصة، وتوفيق الله له؛ حيث سرعان ما قال: (ولي فاستغفر يا رسول الله)، وسرعان ما استجاب النبي الرؤوف الرحيم الحريص على أصحابه، فقال: (اللهم اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا)، وهذا يذكِّر بالصحابي الجليل عكاشة بن محصن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدخل الجنة من أمتي زُمْرَة هي سبعون ألفًا، تضيء وجوههم إضاءة القمر، فقام عُكَّاشة بن مِحْصَن الأسدي يرفع نَمِرةً عليه، قال: ادعُ الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبقك عكاشة))؛ [رواه البخاري].

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: "((فقال: أنا منهم يا رسول الله، قال: نعم))، وفي رواية للبخاري: ((أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، وفي رواية أخرى له: فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم؛ قال: اللهم اجعله منهم))؛ قال الحافظ: "ويُجمَع بأنه سأل الدعاء أولًا فدعا له، ثم استفهم، قيل: أُجِبت"، ((ثم جاءه آخر))، وفي حديث أبي هريرة عند البخاري: ((ثم قام رجل من الأنصار، فقال: سبقك بها))؛ أي: بهذه المسألة؛ قال ابن بطال: "معنى قوله: سبقك؛ أي إلى إحراز هذه الصفات؛ وهي التوكل وعدم التطير وما ذكر معه، وعدل عن قوله: لست منهم أو لست على أخلاقهم؛ تلطفًا بأصحابه وحسن أدبه معهم"، وقال ابن الجوزي: "يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأُجيب، وأما الثاني فيحتمل أن يكون أُرِيد به حسم المادة، فلو قال الثاني: نعم، لأوشك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له، وليس كل الناس يصلح لذلك"، قال الحافظ في الفتح: "وهذا أولَى من قول من قال كان منافقًا؛ لوجهين: أحدهما: أن الأصل في الصحابة عدم النفاق، فلا يثبت ما يخالف ذلك إلا بنقل صحيح، والثاني: أنه قلَّ أن يصدر مثل هذا السؤال إلا عن قصد صحيح، ويقين بتصديق الرسول، وكيف يصدر ذلك من منافق، وإلى هذا جنح ابن تيمية، وصحح النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم علِم بالوحي أنه يُجاب في عكاشة، ولم يقع ذلك في حق الآخر، وقال السهيلي: الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله عليه وسلم، واتفق أن الرجل قال بعدما انقضت، ويبينه ما وقع في حديث أبي سعيد، ثم جلسوا ساعة يتحدثون، وفي رواية ابن إسحاق بعد قوله: ((سبقك بها عكاشة))، وبردت الدعوة؛ أي: انقضى وقتها"؛ [انتهى ما في الفتح].

14- المدخل الكريم هو الجنة؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]؛ قال السعدي رحمه الله: "وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده المؤمنين، وَعَدَهم أنهم إذا اجتنبوا كبائر المنهيات، غفر لهم جميع الذنوب والسيئات، وأدخلهم مدخلًا كريمًا كثير الخير؛ وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويدخل في اجتناب الكبائر فعل الفرائض التي يكون تاركها مرتكبًا كبيرة، كالصلوات الخمس، والجمعة، وصوم رمضان؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لِما بينهما، ما اجتُنبت الكبائر))، وأحسن ما حُدَّت به الكبائر، أن الكبيرة ما فيه حدٌّ في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو نفي إيمان، أو ترتيب لعنة، أو غضب عليه"؛ قال ابن عاشور رحمه الله: "والمعنى: ندخلكم مكانًا كريمًا، أو ندخلكم دخولًا كريمًا، والكريم هو النفيس في نوعه؛ فالمراد إما الجنة وإما الدخول إليها، والمراد به الجنة".

وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [الحج: 58، 59]؛ قال ابن كثير رحمه الله: "﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ﴾ [الحج: 59]؛ أي: الجنة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾ [الواقعة: 88، 89]، فأخبر أنه يحصل له الراحة والرزق وجنة نعيم؛ كما قال ها هنا: ﴿ لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ﴾ [الحج: 58]، ثم قال: ﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ ﴾ [الحج: 59]؛ أي: بمن يهاجر ويجاهد في سبيله، وبمن يستحق ذلك، ﴿ حَلِيمٌ ﴾ [الحج: 59]؛ أي: يحلُم ويصفح ويغفر لهم الذنوب، ويكفِّرها عنهم بهجرتهم إليه، وتوكلهم عليه، فأما من قُتِلَ في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر، فإنه حيٌّ عند ربه يُرزق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169]، والأحاديث في هذا كثيرة، وأما من تُوفِّيَ في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر، فقد تضمنت هذه الآية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه، وعظيم إحسان الله إليه".

15- جواز الدعاء بهذه الأدعية المباركة؛ فقد هجر كثير من الناس أدعية القرآن والسنة، فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، واجعلنا فوق كثير من الناس يوم القيامة، وأدخلنا يومها مدخلًا كريمًا، اللهم زِدْ هدايتنا بالقرآن والسنة، ربنا زدنا علمًا، والحمد لله رب العالمين.

- وَرد. 13-10-2023 09:19 AM

-












جزاك الله الفردوس الأعلى
وَ نفع بطرحك الجميع ولا حرمك الأجر
لكِ من الشكر أجزله :241:.

‏‏نبُض جآمح ❥ 13-10-2023 12:29 PM

-







جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك

غيمہّ فرٌح 13-10-2023 04:56 PM

جَزاكِ اللهِ خُيرِ الجَزاء
ونفِعُ بكٌ وبطِرحكَ القيَيم
ولاَ حَرمُكِ الاًجَر
بُاركِ اللهِ فيُك ..~

أُرجُوَان . 13-10-2023 05:26 PM

يعطَيكمـ العآفية ..منورين
اسعدني تواجدكم الانيق

كل الشكر والتقدير ..:h5:

بُليِتُ بِك 13-10-2023 06:53 PM




/









جزاك الله خيراً
وَ جعله في ميزان حسناتك
شكراً جزيلاً لك

بحر المشاعر 13-10-2023 09:37 PM

جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك

أُرجُوَان . 13-10-2023 09:41 PM

يعطَيكمـ العآفية ..منورين
اسعدني تواجدكم الانيق

كل الشكر والتقدير ..:h5:

أميرة أميري 14-10-2023 03:10 PM

جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك

أُرجُوَان . 14-10-2023 07:11 PM

يعطَيك العآفية .. منوره
اسعدني تواجدك الانيق

كل الشكر والتقدير ..:-ff1 (8):


الساعة الآن 10:19 AM

تصحيح تعريب Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024 
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant