الثابتون على الحق _مؤمن آل فرعون
الثابتون على الحق
مؤمن آل فرعون الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَيُّهَا النَّاسُ: إِذَا خَالَطَتْ بَشَاشَةُ الْإِيمَانِ الْقُلُوبَ فَرِحَتْ بِهِ، وَطَرِبَتْ لَهُ، وَهَانَ عَلَيْهَا مَا تَلْقَى فِي سَبِيلِهِ مَهْمَا كَانَ. قَالَ هِرَقْلُ لِوَفْدِ الْمُشْرِكِينَ يُفَسِّرُ لَهُمْ سَبَبَ ثَبَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَغْمَ مَا يَلْقَوْنَهُ مِنَ الْأَذَى وَالتَّعْذِيبِ فِي مَكَّةَ: «وَسَأَلْتُكَ: أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ». وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «فَالْإِيمَانُ إِذَا بَاشَرَ الْقَلْبَ وَخَالَطَتْهُ بَشَاشَتُهُ لَا يَسْخَطُهُ الْقَلْبُ، بَلْ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ؛ فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ فِي الْقَلْبِ وَاللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ وَالْبَهْجَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ لِمَنْ لَمْ يَذُقْهُ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَوْقِهِ، وَالْفَرَحُ وَالسُّرُورُ الَّذِي فِي الْقَلْبِ لَهُ مِنَ الْبَشَاشَةِ مَا هُوَ بِحَسَبِهِ، وَإِذَا خَالَطَتِ الْقَلْبَ لَمْ يَسْخَطْهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]». وَفِي التَّارِيخِ رِجَالٌ بَانَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاتَّبَعُوهُ، وَفَارَقُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَقْوَامُهُمْ مِنَ الْبَاطِلِ، وَثَبَتُوا عَلَى الْحَقِّ إِلَى أَنْ لَقُوا اللَّهَ تَعَالَى. وَفِي آلِ فِرْعَوْنَ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا مَوَاقِفُهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَهَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ؛ لَا يُذْكَرُ فِيهِ إِلَّا مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدَّعْوَةِ وَالْحِسْبَةِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ تَفْصِيلَاتٍ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ هَذَا الرَّجُلَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْرِفُهُ، وَيَجْزِيهِ أَجْرَهُ، وَهَا نَحْنُ بَعْدَ آلَافِ السِّنِينَ نَذْكُرُ مَوْقِفَهُ الْعَظِيمَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. وَقَفَ هَذَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ مُدَافِعًا عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَاعِيًا فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ إِلَى اتِّبَاعِهِ، مُبَيِّنًا لَهُمْ خَطَرَ إِيذَاءِ مَنْ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مُذَكِّرًا إِيَّاهُمْ مَا حَبَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نِعَمِهِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَذَابِهِ. وَمِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَ فِي الظَّاهِرِ عَلَى دِينِهِمْ، فَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عِنْدَهُمْ، وَيُسْمَعُ كَلَامُهُ فِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا حَمَى اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَمِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَتِلْكَ أَلْطَافُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَقَدْ تَدَخَّلَ هَذَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ فِي اللَّحْظَةِ الْمُنَاسِبَةِ حِينَ عَزَمَ فِرْعَوْنُ عَلَى قَتْلِ مُوسَى وَقَالَ: ﴿ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غَافِرٍ: 26]. فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ هَذَا الْمُؤْمِنُ فَفِرْعَوْنُ عَازِمٌ عَلَى قَتْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّحْظَةِ الْمُنَاسِبَةِ ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ﴾ [غَافِرٍ: 28-29]. وَلَكِنَّ فِرْعَوْنَ أَجَابَ جَوَابَ الطُّغَاةِ الْمُعْتَدِّينَ بِأَشْخَاصِهِمْ، الْمُعَبِّدِينَ النَّاسَ لِأَنْفُسِهِمْ، الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ، الْمُصَادِرِينَ لِعُقُولِ النَّاسِ لِيُفَكِّرُوا هُمْ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُمْ، الْفَارِضِينَ عَلَيْهِمْ مَا يُرِيدُونَ ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غَافِرٍ: 29]. فَعَادَ الْمُؤْمِنُ يَنْصَحُ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ وَيُذَكِّرُهُمْ مَصَائِرَ الْمُعَذَّبِينَ قَبْلَهُمْ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُخَوِّفُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [غَافِرٍ: 28 - 33]. ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِدَعْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُمْ، وَشَكَّهُمْ مِنْ قَبْلُ فِي دَعْوَتِهِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ خَطَرَ الْجِدَالِ فِي آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِكْبَارِ عَنْهَا وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهَا، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غَافِرٍ: 34-35]. بَيْدَ أَنَّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنِ الْحَقِّ، الْمُعْتَدِّينَ بِأَنْفُسِهِمْ؛ لَا تَنْفَعُ فِيهِمُ الْمَوَاعِظُ، وَلَا تُغْنِي عَنْهُمُ النُّذُرُ وَالْآيَاتُ ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾ [غَافِرٍ: 36 - 38]. وَهَذَا مِنْ خِفَّةِ عُقُولِهِمْ، وَصِغَرِ أَحْلَامِهِمْ، وَاسْتِخْفَافِ فِرْعَوْنَ بِهِمْ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِبِنَاءٍ يَبْنِيهِ مَهْمَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ حِينَ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 54]، فَعَادَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ إِلَى مَوْعِظَتِهِ، وَذَكَّرَهُمْ بِحَقِيقَةِ الدُّنْيَا وَحَقِيقَةِ الْآخِرَةِ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِلْكَافِرِينَ، مُخْبِرًا أَنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُوهُمْ لِلتَّوْحِيدِ، وَأَنَّهُمْ سَيَتَذَكَّرُونَ كَلَامَهُ وَمَوْعِظَتَهُ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ التَّذَكُّرُ وَالنَّدَامَةُ ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غَافِرٍ: 34 - 44]. ثُمَّ كَانَتْ عَاقِبَةُ هَذَا الْمُؤْمِنِ النَّجَاةَ، وَكَانَتْ عَاقِبَةُ فِرْعَوْنَ الْغَرَقَ وَالْهَلَاكَ وَالْعَذَابَ فِي النَّارِ ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غَافِرٍ: 44 - 45]. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى دِينِنَا، وَأَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ أَعْدَائِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ... الخطبة الثانية أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281]. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ، وَوَاجَهَ فِرْعَوْنَ يَرُدُّهُ عَنْ قَتْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَعِظُهُ وَيَنْصَحُهُ وَمَلَأَهُ؛ فَإِنَّ صِدِّيقَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَفَ ذَاتَ الْمَوْقِفِ، وَدَافَعَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [غَافِرٍ: 28]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ فَهَذَا يَجَؤُهُ، وَهَذَا يُتَلْتِلُهُ وَهُمْ يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَنَا مِنْهُ أَحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، يَضْرِبُ هَذَا وَيَجَأُ هَذَا وَيُتَلْتِلُ هَذَا وَهُوَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، ثُمَّ رَفَعَ عَلِيٌّ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ: أَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ خَيْرٌ أَمْ أَبُو بَكْرٍ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَقَالَ: أَلَا تُجِيبُونِي، فَوَاللَّهِ لَسَاعَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، ذَاكَ رَجُلٌ كَتَمَ إِيمَانَهُ وَهَذَا رَجُلٌ أَعْلَنَ إِيمَانَهُ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو نُعَيْمٍ. وَكُلُّ ثَبَاتٍ عَلَى الْحَقِّ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَفِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْثَالُهُ وَأَضْعَافُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؛ فَهِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَبِهَا خُتِمَتِ الْأُمَمُ، وَسَيَبْقَى دِينُ الْحَقِّ ظَاهِرًا فِيهَا عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، يَحْمِلُهُ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَوْ كَثُرُوا، وَهُمْ مُوقِنُونَ بِظُهُورِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، فَيَا سَعَادَةَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ، وَيَا شَقَاءَ مَنْ حَادَ عَنْهُمْ فَحَارَبَهُمْ، وَرَكِبَ الْبَاطِلَ لِدُنْيَا يُرِيدُهَا؛ فَكُونُوا -عِبَادَ اللَّهِ- لِلْحَقِّ أَنْصَارًا، وَلِدُعَاتِهِ أَعْوَانًا، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَتَهْلَكُوا. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ... |
جزيل الشكر ع المفيد
باقةة ورد |
,,~
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..، جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً.. جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ دَآمَ لَنآعَطآئُگ.. دُمْت بــِطآعَة الله ..~ ,,~ |
جزاك الله خير
وجعله في موازين حسناتك وانارالله دربك بالايمان ماننحرم من جديدك المميز امنياتي لك بدوام التألق والابداع دمـت بحفظ الله ورعايته |
~
جزاك الله الف خير في ميزان حسناتك ان شاءالله ولاحرمك الله الأجر يعطيك العافية على جمال الطرح وقيمته تحياتي ..، |
/ جزاك الله خيراً شكراً لك |
يعطيك العافيه على الطرح
وسلمت اناملك المتألقه لروعة طرحها تقديري لك |
-
نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك ويجعل الفردوس الأعلى سكنك. |
-
جَزآك آلمولٍى خٍيُرٍ " .. آلجزآء .. " و ألٍبًسِك لٍبًآسَ " آلتًقُوِىَ " وً " آلغفرآنَ " وً جَعُلك مِمَنً يٍظَلُهمَ آلله فٍي يٍومَ لآ ظلً إلاٍ ظله .~ وً عٍمرً آلله قًلٍبًك بآلآيمٍآنَ .~ علًىَ طرٍحًك آلًمَحِمًلٍ بنًفُحآتٍ إيمآنٍيهً .! |
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك .. آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !! دمت بحفظ الله ورعآيته .. لِ روحك |
الساعة الآن 10:11 PM |
تصحيح تعريب
Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب