منتديات انفاس الحب

منتديات انفاس الحب (https://a-al7b.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ أنفاس الرسول والصحابة الكرام ۩۞۩ (https://a-al7b.com/vb/forumdisplay.php?f=125)
-   -   في ترتيب أحداث السيرة النبوية من المولد إلى المبعث (1) (https://a-al7b.com/vb/showthread.php?t=16563)

غيمہّ فرٌح 06-02-2020 01:01 AM

في ترتيب أحداث السيرة النبوية من المولد إلى المبعث (1)
 
الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية

في ترتيب أحداث السيرة النبوية من المولد إلى المبعث (1)




1 - نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو أبو القاسم، محمَّدُ بنُ عبدِاللهِ بنِ عبدالمطَّلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِمنافِ بن قُصَيِّ بن كلابِ بن مُرَّةَ بن كعبِ بن لؤيِّ بن غالبِ بن فِهْرِ بن مالكِ بن النَّضرِ بن كنانةَ بن خُزَيمةَ بن مُدرِكةَ بن إلياسَ بن مُضَرَ بن نِزارِ بن مَعدِّ بن عدنانَ.

الشرح:
قوله: "أبو القاسم": هذه كُنْيته - صلَّى الله عليه وسلَّم.
روى الحاكم في "مستدرَكِه" أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أنا أبو القاسم، الله يُعْطِي وأنا أَقْسم))[1].

والقاسم أكبَرُ أبنائه - وقيل غير ذلك.
قال ابن القيِّم: مات طفلاً، وقيل: عاش إلى أن رَكِب الدَّابَّة، وسار على النجيبة؛ اهـ[2].

قوله: "محمد":وهذا اسمُه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومن أسمائه أيضًا أحمد؛ قال - تعالى - حاكيًا عن عيسى ابنِ مريم: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6].

وكذلك من أسمائه: الماحي، والحاشر، والعاقب.
عن جُبَير بن مطْعمٍ، عن أبيه: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أنا محمدٌ، وأنا أحمدُ، وأنا الماحي الذي يَمْحو الله بي الكُفْر، وأنا الحاشر الذي يُحْشَر الناس على عَقِبِي، وأنا العاقب))[3].

ومن أسمائه أيضًا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: المقفِّي[4]، ونبِيُّ التوبة، ونبيُّ الرحمة، ونبي المَلْحَمة.
عن أبي موسى الأشعريِّ قال: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُسمِّي لنا نَفْسه أسماءً، فقال: ((أنا محمدٌ، وأحمد، والمقفِّي، والحاشر، ونبيُّ التوبة، ونبي الرَّحمة))[5].

ومن أسمائه: المتوكِّل.
عَن عبدالله بن عَمْرِو بن العاصِ "أن هذه الآية التي في القرْآن: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب: 45]، قال في التَّوراة: يا أيُّها النبي، إنا أرسَلْناك شاهدًا ومبشِّرًا وحِرْزًا للأُمِّيين، أنت عبدي ورسولي، سَمَّيتُك المتوكِّل، ليْس بِفظٍّ ولا غليظٍ، ولا سخَّابٍ بالأسواق، ولا يَدْفع السيِّئة بالسيئة، ولكنْ يعفو ويصفح، ولن يقْبِضَه الله حتى يقيم به الملَّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينًا عُمْيًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلْفًا"[6].

قال ابن القيِّم: وكلُّها نعوت، ليست أعلامًا مَحْضة لمجرَّد التعريف، بل أسماء مشتقَّة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال.
هذا، وقد ذُكر للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسماء كثيرة، حتى أوصلها بعضهم إلى ألف اسم، أعرضنا عنها لضعف أدلتها وعدم ثبوتها.

قوله: "ابن عبدالله بن عبدالمطلب"... إلخ:
هذا القدر إلى "عدنان" هو المتَّفَق عليه.
قال ابن القيِّم بعد ذِكْر نسَبِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى عدنان: إلى ها هنا معلوم الصِّحة متَّفَق عليه بين النسَّابين، ولا خلاف فيه البتَّة؛ اهـ[7].
ووقع الخلاف فيما بين عدنان إلى إسماعيل، ثم فيما بين إسماعيل إلى آدم - عليهما السَّلام.
قال ابن القيِّم: وما فوق عدنان مختلَفٌ فيه؛ اهـ[8].
وقال ابن سعد: الأمر عندنا الإمساك عمَّا وراء عدنان إلى إسماعيل؛ اهـ[9].
وقال البغوي في "شرح السُّنة": ولا يصحُّ حفظ النَّسب فوق عدنان؛ اهـ[10].
فالذي عليه أهل التحقيق أنَّ ما فوق عدنان ضعيف، لا يَثْبت، والثابت فقط أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من نسل إسماعيل - عليه السَّلام - لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله اصْطفى كِنانةَ من ولد إسماعيل، واصطفى قُريشًا من كنانة، واصطفى من قُريشٍ بني هاشمٍ، واصطفاني من بني هاشمٍ))[11].
فضَعْفُ ما بين النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى إسماعيل - عليه السَّلام - لا يَعني ضعف نسَبِه إليه، بل هو صحيحٌ ثابت، كما دلَّ عليه الحديث.

فضل نسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
عن واثلة بن الأَسْقَعِ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إن الله اصطفى كِنانة من ولَدِ إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشمٍ، واصطفاني من بني هاشمٍ))[12].
وقد أقرَّ أبو سفيان - وهو لم يزَل على الكفر - بفضل نسَبِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما سأله هرقلُ عن نسبه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "هو فينا ذو نسَب"[13].


2- وُلِد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتيمًا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلَت من شهر ربيع الأول من عام الفيل.

الشرح:
وُلد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتيمًا؛ فقد توُفِّي أبوه وهو حَمْل - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الراجح.
قال ابن القيِّم: واختُلِف في وفاة أبيه عبدالله، هل توُفِّي ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حمل، أو تُوفِّي بعد ولادته؟ على قولين: أصحُّهما: أنه توفِّي ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حَمْلٌ[14].
وقال ابن سعدٍ بعدما ذكَر أقوالاً كثيرة في تاريخ وفاة عبدالله: والأول أثبَتُ أنَّه توُفِّي ورسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – حمل؛ اهـ[15].
وقيل: توُفِّي عبدالله وهو في الخامسة والعشرين من عمره.

قوله: يوم الاثنين:
رَوى الإمام مسلمٌ عَن أبي قَتادةَ أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُئل عن صوم يوم الاثنَيْن قال: ((ذلك يومٌ وُلدْتُ فيه، ويومٌ بُعثْتُ أو أُنْزل عَلَيَّ فِيه))[16].

قوله: لاثنتي عشرة ليلة خلَت من شهر ربيع الأول:
قال الشيخ الألبانيُّ: وأمَّا تاريخ يوم الولادة، فقد ذُكر فيه وفي شَهْرِه أقوالٌ ذكرَها ابن كثير في الأصل، وكلُّها معلَّقة بدون أسانيد، يمكن النَّظَر فيها ووزنُها بميزان علم مصطلح الحديث؛ إلاَّ قول مَن قال: إنه في الثامن من ربيع الأول؛ فإنَّه رواه مالكٌ وغيره بالسَّند الصحيح عن محمد بن جُبيرِ بن مُطْعِم، وهو تابعيٌّ جليل، ولعلَّه لذلك صحَّح هذا القولَ أصحابُ التاريخ واعتمدوه، وقطع به الحافظ الكبير محمدُ بن موسى الخوارزميُّ، ورجَّحه أبو الخطاب ابن دحية، والجمهور على أنه في الثاني عشر منه، والله أعلم؛ اهـ[17].

قوله: من عام الفيل:
روى الحاكم في "مستدرَكه" عن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - قال: ((وُلِد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في عام الفيل))[18].
وسُمِّي بعام الفيل لوقوع حادثة الفيل المشهورة فيه، والتي قاد فيها أبرهةُ الأشرم بن الصباح الحبشي - نائب النجاشيِّ على اليمَن، بفيله العظيم - جيشَه العرمرم لهدم الكعبة المشرَّفة؛ بيتِ الله الحرام، ولكن هيهاتَ هيهات! فما قوَّة أبرهة بفيله العظيم، وجيشه العرمرمِ الكبير بجوار قوَّة العلي القدير، إلاَّ كقشَّة ضعيفة، تتقاذَفُها أمواجٌ عظيمة، بل هي أضعَفُ.
فالله تعالى هو الذي خلقَهم، وهو الذي أعطاهم هذه القوَّة؛ فهم لا يُعجِزونه، فما أن وصل "أبرهةُ" إلى وادي مُحسِّر بين مزدلفة ومِنًى، حتَّى برك الفيل، وعجز عن الحركة إلاَّ لوِجْهة أخرى غير وجهة الكعبة! وهنالك أَرسل عليهم ربُّ البيت طيرًا أبابيلَ ترميهم بحجارةٍ من سجيلٍ، فجعلَهم كعصفٍ مأكول.
وحكى الله تعالى ما نزل بهم من عذابٍ في كتابه العزيز، فقال:﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5].

وقال نُفيل بن حبيب حين نزل بهم العذاب:
أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالإِلَهُ الطَّالِبْ ♦♦♦ وَالأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ غَيْرُ الغَالِبْ
وقد ذكر القصةَ كاملةً الإمامُ الطبريُّ في تفسير سورة الفيل.


3- يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، رَأَتْ أُمِّي حين حملت بي كأن نُورًا خرج منها أَضَاءَتْ له قُصُورُ بُصرى من أرض الشَّامِ"[19].

الشرح:
قوله: أنا دعوة إبراهيم:
حيث دعا إبراهيم - عليه السلام - ربه بأن يبعث في العرب رسولًا منهم فقال: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].

قوله: وبشرى عيسى:
وبشر به عيسى بن مريم - عليه السلام - فقال: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].

قوله: رأت أمي حين حملت بي كأن نورًا خرج منها أضاءت له قصور بُصرى من أرض الشام:
هذا لفظ الحاكم، وابن إسحاق، أما لفظ ابن سعد ففيه: رأت أمي كأنه خرج منها نورٌ أضاءت منه قصور الشام. ولذلك اختُلِف في وقت خروج هذا النور، أكان عند الحمل أم عند الولادة؟.
وفسر ابن رجب الحنبلي هذا النور بأنه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15- 16].اهـ[20].

وقال ابن كثير:
وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلًا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى بن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها، ولهذا جاء في الصحيحين: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ولا من خالفهم حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ" وفي "صحيح البخاري" (وهم بالشام).اهـ[21].
ومما وقع في يوم مولده أيضًا ما رواه ابن إسحاق عن حسان بن ثابت قال: والله إني لغلام يفعة[22] ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة[23] يثرب: يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما بك؟! قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به[24].
هذا ما صح من الآيات التي حدثت يوم ولادته - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح بعد ذلك شيء.

قال الألباني:
ذكر ارتجاس الإيوان، وسقوط الشرفات، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، وغير ذلك من الدلالات ليس فيه شيء[25].

4- ومرضعته - صلى الله عليه وسلم - هي حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، ولقد ظهر بوجوده عندها من البركات ما ظهر.

الشرح:
لقد ثبت رضاع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حليمة السعدية بأحاديث صحيحة منها:
ما أخرجه الحاكم في "مستدركه" عن عتبة بن عبد السلمي: أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف كان شأنك يا رسول الله؟ قال: "كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بني سَعْدِ بن بَكْرٍ ... الحديث"[26] وبنو سعد بن بكر هم قوم حليمة السعدية.

وحديث عبد الله بن جعفر الذي يرويه عن حليمة السعدية والتي تحكي فيه ما ظهر من بركاته - صلى الله عليه وسلم -، حيث قالت: خرجت مع زوجي وابن لي صغير في نسوة من بني سعد بن بكر، نلتمس الرضعاء. قال: وذلك في سنة شهبًا[27]. لم تُبصر لنا شيئًا، قالت: فخرجت على أتان لي قمراء[28] ومعنا شارف[29] لنا، والله ما تبضُّ[30] بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجوا الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك، فلقد أذمَّت[31] بالركب حتى شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عُرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجوا المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم، وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه وأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل[32] فحلب منها فشرب وشربت معه حتى انتهينا ريًا وشبعًا، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! أربعي[33] علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا، قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح عليَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنًا[34] فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبضُّ بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعًا لبنا. فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتان وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا[35].
قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابنك عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا[36].

واخُتلف في صحة هذا الحديث بين المحدثين، فمن مصحح له ومضعف، كابن عساكر حيث قال: هذا حديث غريب جدًا وفيه ألفاظ ركيكة لا تشبه الصواب، وكذلك أعرض عنه الألباني في "صحيح السيرة" فلم يذكره، أما الذهبي فقال: هذا حديث جيد الإسناد[37].
وقد أرضعته أيضًا - صلى الله عليه وسلم - ثويبة مولاة أبي لهب وكان ذلك قبل ذهابه إلى السعدية.

روي الإمام البخاري: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أَنْكِحْ أُخْتِي بنتَ أبي سُفْيَانَ، فَقَالَ: "أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكَ؟"، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ[38] وَأَحَبُّ مَنْ يشَارِكُنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ذلك لَا يحل لِي"، فَقُلْتُ: فإِنَّا نَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بنتَ أبي سَلَمَةَ. قَالَ: "بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ؟"، فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: "وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهَا لم تكن رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَة أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بناتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ".
قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأبي لَهَبٍ كَانَ أبو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا مَاتَ أبو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أبو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ [39].


[1] صحيح: أخرجه الترمذيُّ (2850)، وأحمد 2/ 433، وابنُ سعدٍ 1/ 106، وأخرجه الحاكم (4243) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (1447)، "الصحيحة" (1628).

[2] "زاد المعاد" 1/ 100، ط. الرسالة.

[3] متفق عليه: أخرجه البخاريُّ (3532) كتاب: المناقب، باب: ما جاء في أسمائه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومسلمٌ (2354) كتاب: الفضائل، باب: في أسمائه - صلَّى الله عليه وسلَّم.

[4] قال النووي: فقال شمر: هو بمعنى العاقب، وقال ابن الأعرابي: هو المتبع للأنبياء، يُقال: قَفوتُه، أقفوه إذا اتَّبعته، وقافيةُ كلِّ شيءٍ آخِرُه؛ اهـ؛ "شرح مسلم".

[5] صحيح: أخرجه مسلمٌ (2355)، وزاد الطبرانيُّ في "الأوسط" (2716): ((ونبيُّ الملحمة))، وصحح الألباني هذه الزيادةَ؛ "صحيح الجامع" (1473). ومعنى نبي الملحمة؛ أيْ: نبي الحرب، وسُمِّي بذلك؛ لحرصه على الجهاد.

[6] صحيح: أخرجه البخاري (4838) كتاب: "التفسير" تفسير سورة الفتح، باب: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]، وأحمد 2/ 174.

[7] "زاد المعاد" 1/ 70.

[8] "زاد المعاد" 1/ 70.

[9] "الطَّبَقات" 1/ 58.

[10] "شرح السُّنة" (13/ 193).

[11] صحيح: أخرجه مسلم (2276) كتاب: الفضائل، باب: فضل نسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتسليم الحجر عليه قبل النبوَّة.

[12] السابق.

[13] متفق عليه: أخرجه البخاريُّ (2914) كتاب: الجهاد والسير، باب: دعاء النبي الناس للإسلام، ومسلم (6982).

[14] "زاد المعاد" 1/ 75.

[15] "الطبقات الكبرى" 1/ 100.

[16] صحيح: أخرجه مسلم (1162) كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والاثنين، والخميس.

[17] "صحيح السيرة النبوية" (13).

[18] صحيح: أخرجه الترمذي (3619) كتاب: المناقب، باب: ما جاء في ميلاد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن قيس بن مخرمة، والحاكم في "المستدرك" (4180) كتاب: تواريخ المتقدِّمين من الأنبياء والمرسلين، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه، وابن سعدٍ في "الطَّبقات" 1/ 101، وصححه الألبانيُّ في "السلسلة الصحيحة" (3152).
[19] صحيح: أخرجه أحمد 5/262، والحاكم (4230)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" 1463-3451.
[20] "لطائف المعارف" (89).

[21] "تفسير القرآن العظيم" 10/184.

[22] إذا شب ولم يبلغ.

[23] أطمة – بالضم-: البناء المرتفع، وجمعها: آطام.

[24] حسن: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" 1/124، وحسنه الألباني في "صحيح السيرة" (14).

[25] "صحيح السيرة" (14).

[26] سيأتي تخريجه.

[27] مجدبة لا خضرة فيها ولا مطر.

[28] بيضاء.

[29] الناقة المسنة.

[30] بضَّ الماء: قطر وسال قليلًا قليلًا.

[31] أبطأت وحبست.

[32] أي: ممتلئة لبنًا.

[33] أرفقي.

[34] ممتلئة الضرع باللبن.

[35] قويًا شديدًا.

[36] أخرجه أبو يعلىٰ (7158)، وابن هشام (124)، وفي سنده جهم بن أبي جهم مجهول.

[37] "سير أعلام النبلاء" 1/42، ط. المكتبة التوفيقية.

[38] أي: لست بمنفردة بك ولا خالية من ضرة، قاله ابن حجر.

[39] متفق عليه: أخرجه البخاري (5101)، كتاب: النكاح، باب: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، ومسلم (1449) كتاب: الرضاع باب: تحريم الربيبة وأخت المرأة.

أسير الشوق 06-02-2020 08:05 AM

صل الله عيه وسلم

بورك فيكِ
وجزاكِ الله كل خير
وأنار قلبكِ وطريقكِ بنور الهداية والإيمان
طرحتِ فأبدعتِ كتب الله لكِ أجر هذا الطرح
دمتِ في حفظ الله ورعايته

̨اڵــداٰنــہّ 06-02-2020 11:59 AM

تسسسلم الايـآدي على روعه طرحك
الله يعطيك الف عافيه يـآرب
بانتظـآر جــديدك القــآدم
آحتـرآمي لك

يــوسف 06-02-2020 02:47 PM

جــــزاك الله خيـراً على ما قدمت
جعلـه الله في ميزان حسنـاتك
دمت بحفظ الرحمان

الــوافــي 06-02-2020 04:05 PM

جزاك الله خير
طرح رآقي گ روحـگ
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ
ودي لك

لااشبه احد 07-02-2020 12:49 AM

جزاك الله خير الجزاء
وبارك الله فيك على الموضوع القيم
دمت ودام عطائك القيم
دمت بحفظ الله

المهاجره 07-02-2020 08:37 PM

جزاك الله كل خير
طرح رائع يحمل العبر بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
ولك احترامي وتقديري

ابو الملكات 07-02-2020 10:27 PM

اللهم صلى وسلم على الحبيب المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم
جزاك الله خير ورحم والديك شكراً على طرحك الكريم

- آتنفسك❀ 08-02-2020 12:41 AM

جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

أبو محمد 08-02-2020 12:32 PM

جزاكم الله خير الجزاء على هذا الطرح القيم
وجعل ذلك في موازين حسناتكِم
بوركت جهودكم


الساعة الآن 02:47 PM

تصحيح تعريب Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024 
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant