منتديات انفاس الحب

منتديات انفاس الحب (https://a-al7b.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ انفاس الركن الإسلامي ۩۞۩ (https://a-al7b.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   سلسلة مكارم الأخلاق (11) (https://a-al7b.com/vb/showthread.php?t=88067)

ʂąɱąя 01-02-2023 01:07 PM

سلسلة مكارم الأخلاق (11)
 
ترك المعاصي

في طريق إصلاح النفوس، وبناء الشخصية المسلمة المنشودة، تناولْنا الحديث عن المحبَّة، المبْنيَّة على محاسبة النفس، المؤسسة - بدَوْرها - على جسر الإقلاع عن الغفلة، المنوط بترْك المعاصي، التي عرفنا أنها أساس الداء، ومَجلَبة البلاء، مصدر الهلاك، وسر الخطر الفتاك، مَهلَكة الأمم، وسبب المِحن والنِّقم.

وتبيَّن لنا أن للمعاصي آثارًا على النفوس عظيمة، وعواقبَ على المجتمعات جسيمة، أَوْصَلها بعضُ أهل العلم إلى خمسين أثرًا، ذكرنا منها أنها سبب مباشر لتعجيل العقوبة من الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، وأنها سبب في حرمان العلم، ونزيد اليوم - إن شاء الله تعالى - أثرًا آخر، وهو:

حرمان الرزق:
لأن المعصية ممحقة للبركة، مجلبة للفقر، والمَقصُودُ بِالرِّزقِ مَا قَلَّ وَكَفَى، لا مَا كَثُرَ وَأَلهى؛ كما في حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما طلعت شمس قط إلا بُعث بِجَنَبَتَيْها مَلَكان يناديان، يُسمِعان أهل الأرض؛ إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت شمس قط إلا بُعث بِجَنَبَتَيْها مَلَكان يناديان، يُسمعان أهل الأرض؛ إلا الثقلين: اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط مُمسكًا تلفًا))؛ رواه أحمد بإسناد صحيح، وهو في "صحيح الترغيب".

وفي "صحيح الترمذي"، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد أفلح مَن أسلم، وكان رزقه كفافًا، وقَنَّعه الله)).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الغِنى عن كثْرة العَرَض - متاع الدنيا مع الحرْص على الزيادة - ولكن الغِنى غنى النفس))؛ متفق عليه.

فَكَم مِمَّن يَملِكُ الآلاف المُؤَلَّفة، وهي تشقيه ولا تسعده! فتراه في هَمٍّ لازم، وَتَعَب دَائِم، وَحَسرَة لا تنقضي، وبخاصة إذا صَحِبَ ذلك الشرهُ والتوقُ للمزيد، واستشراف النفس للتسابق على الدنيا؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا الترابُ، ويتوب الله على من تاب))؛ متفق عليه.

والغِنى الحقيقي أن يجمع الله لك الأمن، والعافية، والكفاف؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبيدالله بن محصن الخطمي - رضي الله عنه -: ((مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا فِي سِربِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ - فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها))؛ صحيح الترمذي.

وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم، إن هذا المال خَضِرَة حُلوة، فمَن أخذه بسخاوة نفس - بغير إلحاح في السؤال ولا طمع ولا حرص - بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس - بتطلُّع لما في أيدي غيره، وشدة حرصه على تحصيله - لم يبارَك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى))، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لا أَرْزَأُ - لا أنقص ماله بالطلب، والمعنى: لا آخذ - أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبَى أن يقبله منه، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه، فأبَى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أشهدكم - يا معشر المسلمين - على حكيم، أني أَعرض عليه حقه من هذا الفَيء فيأبى أن يأخذه، فلم يَرْزَأْ حكيمٌ أحدًا من الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي؛ متفق عليه.

وقديمًا قال الحُطَيْئَةُ:
وَلَستُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَعِندَ اللهِ لِلأَتْقَى مَزِيدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فبقاء المال مع بقاء التقْوى والصلاح، وذهابه بذهابهما؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نِعمَ المالُ الصالح للرجل الصالح))؛ رواه أحمد، وهو مخرَّج في "مشكاة المصابيح".

والمعصية تُسلَّط على المال فتمحقه، كما تسلط النار على الهشيم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

وضرب الله تعالى المثل بمن سبق، كيف كانوا في بحبوحة من العيش، آمنين مطمئنين، حتى إذا أفسدوا في الأرض، نُزعت البركة من أموالهم، فكانت وبالاً عليهم؛ قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، وقال تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 160، 161].

فانظر كيف حرمتهم المعاصي من طيبات كانت لهم حلالاً، فصارت عليهم حرامًا؟!
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الوَرَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لِتُبْصِرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يقول عبدالله بن عباس - رضي الله عنه -: "إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلْب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الناس، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظُلمة في القلْب، ووهنًا في البَدَن، ونقصًا في الرِّزْق، وبغضًا في قُلُوب الناس".

فإذا كان العبدُ يُعطى من نِعم الله مع أنه مقيم على المعصية، فليعلم أنه استدراج منه – سبحانه - ليقيم عليه الحجة؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا رَأَيتَ الله يُعطِي العَبدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ استِدرَاجٌ))، ثُمَّ قرأ: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]؛ يائسون من النجاة، شديدو الحسرة والحزن؛ أحمد، وهو في الصحيحة.

الدَّهْرُ يَفْتَرِسُ الرِّجَالَ فَلاَ تَكُنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِمَّنْ تُطِيشُهُمُ المَنَاصِبُ والرُّتَبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَمْ نِعْمَةٍ زَالَتْ بِأَدْنَى لَذَّةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلِكُلِّ شَيْءٍ فِي تَقلُّبِهِ سَبَبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


الخطبة الثانية

إذا كان للمعاصي هذه النتائج الخطيرة على أموال الناس وأرزاقهم، عرفنا السِّر في تخلُّف المسلمين، وشدة فقْر أبنائهم، مع وفْرة أموالهم، وتراكُم ثرواتهم، وعظيم ممتلكاتهم، إنها المعاصي هي التي منعتْ كثيرًا من أصحاب الأموال من إخْراج زكاتهم، هذه الزَّكاة التي تبلغ في المجتمعات العربية وحدها أزيد من 60 مليار دولار، والمعاصي هي التي جعلت مديونية العالَم العربي تفوق 375 مليار دولار، منها 60 مليارًا، هي مبلغ ما يسمى بالفوائد.

والمعاصي هي التي أحْوجت السوق العربية إلى استيراد 92 % من احتياجاتها، وجعلتِ الأمية تنتشر بيننا بنسبة تزيد عن 43 %، والبطالة تفوق 10 % قبل الأزمة المالية، التي ضاعفت النكبات لِتَضَاعُفِ المعاصي؛ فقد خسر العرب إلى الآن أزيد من 2500 مليار دولار بأسواق المال، أما خسائرهم العامة ففاقت 3.1 تريليون دولار، وتراجع الإنتاج المحلي بقرابة 4 % لسنة 2009.

إن المعاصي - وعلى رأسها الغِش، والتساهُل في أكل أموال الناس بالباطل - هي التي ستدفع عنك العجب، إذا علمت أن 3 ملايين من المغاربة (أي: 10 في المائة) - حسب "الشركة المغربية للألعاب والرياضات" - يتعاطون ألعاب الحظ والرهان (أي: القمار) سنة 2008، أغلبهم من متوسطي الدخل، وذوي الدخل الضعيف، مليون منهم يصنف على أنه لاعب منتظم، يلعب مرتين على الأقل في الشهر، وهؤلاء المقامرون أنفقوا على قمارهم نحو: 2.7 مليار درهم خلال سنة 2006، ونجد عندنا شركة واحدة لها أزيد من 2300 فرع، ومع كل ذلك نجد قانوننا الجنائي يظهر تساهلاً واضحًا، من خلال العقوبة التي حددها في الفقرة العاشرة من أحد فصوله، والتي تتراوح ما بين 10 و120 درهمًا، وهي عقوبة لم تتغير في هذا القانون منذ 1962م.






فروله توت ♩ 01-02-2023 01:42 PM

جزاك الله خير

ʂąɱąя 01-02-2023 04:20 PM

اسعدني حضورك :241:

إرتقاء 01-02-2023 04:24 PM

جزاك الله كل خير

جُـنـون 01-02-2023 06:24 PM

:ff1 (90):










جزاك الله خير الجزاء
وجعله الله فى ميزان حسناتك
ورزقك الفردوس العلا من الجنه
:ff1 (6)::ff1 (6):

- وَرد. 01-02-2023 07:52 PM

-
















بَارك الله فيك
وَ جزاك عنا كل خير
تقديري.

جوهرة القصيد 02-02-2023 12:46 AM

بارك الله لك على الطرح الطيب
وجزاك الخير كله .. اثابك و رفع من قدرك
ووفقك الله لمايحبه و يرضاة …}:85:

قَـلـبْ 02-02-2023 05:05 AM




جزاك الله خير:241:
وجعله في موازين حسناتك:241:
وانارالله دربك بالايمان:241:
ماننحرم من جديدك المميز:241:
امنياتي لك بدوام التألق والابداع:241:
دمـت بحفظ الله ورعايته:241:

غيمہّ فرٌح 03-02-2023 09:55 AM

جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

كلي لك 05-02-2023 02:25 PM

،






جزاك الله كل خير
لروحك السعاده "


الساعة الآن 08:02 PM

تصحيح تعريب Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024 
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant