عودة بعد الوداع
وقف كنخلة خاوية تساقط سعفها فعرّاها , لتنهش الرياح عودها المتهالك .
كانت رياح الحزن تعصف بيباب روحه ,لتثير عجاجة من ثرياء أوصابه التي خلفها جفاف الموقف . غرق في لُجّة من اللاوعي , سديمٌ سرمدي تبدا لعينيه المخضلتين بدموعهما . تاه في قفار نفسه , وأوهنته اللحظة ,عبثا حاول الاتّكاء على بقاياه المتناثرة في أرجاء الذكريات . لقد عاد بعد سنتين قضاهما في غربته تلك , يحمل في قلبه شوقاً تراكم ككرة ثلج ما فتئت تتدحرج في أعماق وجدانه يوما بعد يوم , حتى تمخضت عن جبل من الاشتياق . شوق لأمّه التي كان صغيرها المدلّل , وليدها الّذي أرضعته من ماء عينيها الحبّ والحنان , غرست في ضميره أنبل الخصال , وشتلات من الأمل . عاد لتكحّل عينيها بغراسها تلك وقد أينعت وحان قطافها . تفتقت عن شابّ وسيم ذكيّ , مفعمٍ بالطموح اللا متناهي , يفيض حبّا وطيبة ووفاء. عامان انقضيا بعد أن اعتصرا ثمرة صبره , وألهبا جمر اشتياقه . قضى أيامه الأخيرة قبل القدوم في تسهاد لا يعرف الكلل, يقلّب أفكاره وتأخذه أحلامه وخيالاته . كيف سيقرع باب البيت ؟ , من يا ترى سيفتح له ؟ , أمي ؟ لا أعتقد ذلك فذلك ليس من عادتها خصوصا وأني لم أحدد لهم موعد وصولي , ستكون مفاجأة سارّة لها بالتأكيد . إذا ستشرع دفتي الباب إحدى أخواتي , أو قد يكون أبي , أشتاقهم جميعا . ولكن سألقي التحية بسرعة وأجري مسرعا لأرتمي في أحضان أمي , واشتم عبق الحنان الذي يفوح من بستان قلبها . ها هو الباب إذا ؟! . وقف للحظات موهن الفكر , عاجز الخلجات . أعياه الشّوق , وأوهنه الترقب والانتظار. استجمع بقايا من قوّة كان يختزنها لهذه اللحظة , حاول رفع يده التي أثقلها شئ ما اعتصر قلبه فجأة فتراجع ضخّ الدم لأطرافه , وأعتراها خذلٌ لثوان معدودات , ثم اجابته بصعوبة في محاولته الثانية . قرع الباب . وقع أقدام , من يا ترى سيفتح الباب ؟ . تسارعت نبضات قلبه وتعالى صوتها إلى مسمعه حادا عنيفا مضطربا . فتح الباب . إنها إحدى أخواته , أخذتها سطوة المفاجأة ولكن لم يكن رد فعلها بسخونة الموقف , لم يكن بحجم سنتين من الفراق , وقفت واجمة يتسربل وجهها برداء من لهفة ووجل . أخذته في أحضانها أخيرا وانهمرت من عينيها وابل من الدموع بلل قميصه وشعر بحرارة الدموع تلهب بشرته . استيقظ من وسنته السريعة هذه , قبلها , ثم أخذته رجفة واعتراه الهلع حين تبدا له سواد ثوبها . - أين أمي ؟ سألها ونبرات صوته تكاد لا تسعفه , كأنه ناي ابتلت قصبته وتكلست ثقوبه . كان جوابها الصمت , ودموع لم تقو على ردعها رغم محاولة جفنيها نهرها عن الهروب من بين أسوارها. لا يدري اتحركت ساقاه لوحدهما ؟ , أم هو من قام بتحريكهما ؟ . ذلف إلى فناء بيتهم , ذاك الذي اعتادت أسرته أن تجتمع فيه وتتسامر كل ليلة , تعلو ضحكاتهم وتصهل أصواتهم بالحديث والنقاش , ويصمتون حين يلحظون استسلام عيني والدته الجملتين لأسر الوسن , وسطوة النوم . اين هي ؟ . جال بلا وعي في وجوه أخوته وأخواته الذين تجمعوا لرؤيته . - اين أمي ؟ كرر سؤاله , وأجابته قسماتهم بأسوأ إجابة كان ينتظرها , الصمت . أخذ يفتح ابواب الغرف بحالة هستيرية , دفع بباب غرفتها , لم يشع نور وجهها من هناك , قفز إلى المطبخ حيث اعتادت أن تجلس على مقعدها الخشبي الصغير المشدود بخيوط القصب والليف , تعد لهم أطايب الطعام والشهي من المأكولات . لم يرها . كان يصارع يقينه , ويدفع باستنتاجه القاتل كي لا ينحر قلبه من الوريد على الوريد . - ماتت؟ بالكاد استطاع لفظها ليسأل والده الذي استوقفه , وعانقه بدفء لم يشعر به من قبل. - كانت مشتاقة لك كثيرا يا ولدي . صعدت روحها الطاهرة وهي تلهج باسمك,كم كانت تريد أن تودعك , ولكن لم يمهلها المرض . إذا إحساسه كان صحيحا , واستنتاجه الحقير كان صائبا . رحلت ؟؟. ولم ألق عليها تحيّة الوداع ! , كنت أريد أن أقول لها أنني أنهيت سنتي الدراسية الأولى بتفوق كما كانت توصيني , وأني تعلمت كيف أقيس الضغط لأراقبه لها كل يوم , أنني سأكون طبيبا ناجحا لترفع هامتها عاليا حين يذكرون اسمي في الحي والحارة والمدينة كلها . لقد أحضرت لها صوري . صورتي تلك بين الثلوج , وصورنا في حفل الجامعة حين أنهينا عامنا الأول , صور كثيرة جمعتها لتراها. أردت أن أقول لها كم أحبها , وأنها كل حياتي , وأني اعد الأيام والشهور والسنين كي أعود لأتوسد حضنها طفلا كبيرا , لم يسعفني الوقت ولم تشفع لي أشواقي وطول انتظاري وجلدي على قسوة الصبر. خرج من البيت مغيب الوعي , تائه الخطى, تعصف بقفاه رياح حارقة تدفعه إلى حيث ترقد . جثا على قبرها , انثالت من مآقيه دموع عذبة حرّة امتزجت بثرى قبرها الطاهر. مرّغ مسامات وجهه بحبات التراب علها تتغلغل في أعماقه , علها تسحبه بعد أن تختلط بخلاياه إلى حيث تسجى حبيبته , ليرقد معها بعد أن يعانقها في سكون أبدي , هو وهي لا ينغص خلوتهما أحد .يحدثها طويلا , يشتم ريحها الطيب, يقبل يديها وخديها وراسها , يرتمي بين يديها كما اعتاد أيام الطفولة . استيقظ من غيبوبته على صوت والده . - قم يا بني , لك يومان وأنت راقد ها هنا . أدع لها بالرحمة , البكاء والحزن لن يبعثاها من الأجداث . أمسك بيد والده كطفل صغير يخشى المسير وحده , أو تاه بين الدروب لا يعرف كيف يعود, أو إلى أين يعود ؟؟ . وهل بقي شئ يستحق العودة لأجله . ركب طائرته عائدا إلى غربته التي باتت له دارا , وارتضاها وطنا إلى يومنا هذا . حاملا معه في شنطته ( هبرية ) أمّه , يلقي بها على وجهه كل ليلة حتى يغشاه النوم بعد أن يهدهده عبق الذكريات , ويحمله إلى عالم الوسن , حيث يلقاها هناك . منقووووووووووووووول |
_
، لَا تَأْتِي إِلَّا بِالْجَمَالِ . . سُلَّمُ فِكْرِكَ وَدَامَ تَوَاصُلُكَ اَلْمُبْهِجُ . . أَرَقُ اَلتَّحَايَا لِقَلْبِكَ ~ |
يِعَطُيّك العإأآفِيـــةْ ..
عْطائكَ ممُـيزٌورائعَ بَآقَآتْ مِنْ ألجُورِي تُعطِر أنفَآسكْ..~~ |
شكرا ع الموضوع
|
•. سلمت أناملك على الطرح المميّز:241: ويعطيك العافية على المجهود المبذول:ff1 (27): ما ننحرم من فيض عطائك وإبداعك:241: لك تحياتي وفائق شكري:ff1 (27): ولك كل الود:241: |
.. :ff1 (12)::ff1 (209):
رَآئعْ مَآإنتَقِيتْ لَنَا ..سَلمتْ يَدآكْ ولا عَدمْ مِن رَوعَةِ ذَائِقتُكْ ,’ لِرُوحُك عَبيِرُ البَنَفْسَجْ.. :85: |
يعطيك العافيه
على عطائك وبداعك المميز شكراً لك استمر |
,’ - سلمت على غيث عطائك الدائم :ff1 (35)::-ff1 (8):. |
-
يعطيك العافيه سلمت الايادي ع الانتقاء |
-
دام عطائِك يَ طُهر .. ولاحُرمنا انتقائِك المُميز والمُختلِف حفظك الله من كل مكروه. |
الساعة الآن 09:33 PM |
تصحيح تعريب
Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب