منتديات انفاس الحب

منتديات انفاس الحب (https://a-al7b.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ انفاس الركن الإسلامي ۩۞۩ (https://a-al7b.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   الافتقار إلى الله (https://a-al7b.com/vb/showthread.php?t=41207)

غيمہّ فرٌح 29-11-2020 02:27 AM

الافتقار إلى الله
 
الافتقار إلى الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أيها الأحبة: إن من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق لله تعالى، فهـو: "حقيقـة العبـودية ولبُّها"1، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر: 15]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: " يخبر تعالى بغناه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} أي: محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات وهو تعالى الغني عنهم بالذات، ولهذا قال عز وجل: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه"2.
وقال تعالى فـي قصة موسى عليه الصلاة والسلام: {فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص: 24]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد: 38]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 6].
عرَّف الإمام ابن القيم رحمه الله الافتقار إلى الله بقوله: "حقيقة الفقر: أن لا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملْك واستغناء مناف للفقر". ثم قال: "الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقـة تامـة إلى الله تعالى من كل وجه"3.
فالافتقار إلى الله تعالى أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه عـز وجل متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }[الأنعام: 162-163].
والمتأمل في جميع أنواع العبادة القلبية والعملية يرى أن الافتقار فيها إلى الله هو الصفة الجامعة لها، فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله يكون أثرها في قلبه، ونفعها له في الدنيا والآخرة، وحسبك أن تتأمل في الصلاة أعظم الأركان العملية، فالعبد المؤمن يقف بين يدي ربه في سكينة، خاشعاً متذللاً، خافضاً رأسه، ينظر إلى موضع سجوده، يفتتحها بالتكبير، وفي ذلك دلالة جليَّة على تعظيم الله تعالى وحده، وترك ما سواه من الأحوال والديار والمناصب. وأرفع مقامات الذلة والافتقار أن يطأطئ العبد رأسه بالركوع، ويعفِّر جبهته بالتراب مستجيراً بالله منيباً إليه. ولهذا كان الركوع مكان تعظيم الله تعالى، وكان السجود مكان السؤال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأما الركوع فعظّموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم)4. ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ركوعه: (اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي)5.
قال الحافظ ابن رجب: "إشارة إلى أن خشوعه في ركوعه قد حصل لجميع جوارحه، ومن أعظمها القلب الذي هو ملك الجوارح والأعضاء، فإذا خشع خشعت الجوارح والأعضاء كلها؛ تبعاً له ولخشوعه". ثم قال: "ومـن تمام خشـوع العبد لله عز وجل وتواضعه في ركوعه وسجوده؛ أنَّه إذا ذلَّ لربه بالركوع والسجود، وصف ربه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو"6.
إنَّ هذه المنزلة الجليلة التي يصل إليها القلب هي سرُّ حياته وأساس إقباله على ربه سبحانه وتعالى؛ فالافتقار حادٍ يحدو العبد إلى ملازمة التقوى ومداومة الطاعة، ويتحقق ذلك بأمرين متلازمين هما7:
الأول: إدراك عظمة الخالق وجبروته:
فكلما كان العبد أعلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه؛ كان أعظم افتقاراً إليه وتذللاً بين يديه، قال الفضيل بن عياض: "أعلم الناس بالله أخوفهم منه"8، وقال: "رهبة العبد من الله على قدر علمه باللّه"9. ومَنْ تدبر الآيات البيّنات والأحاديث الشريفات التي جاء فيها ذكر صفاته العلى وأسمائه الحسنى انخلع قلبه إجلالاً لربه، وتعظيماً لمقامه، وهيبة لسطوته وجبروته سبحانه وتعالى، قال تعالى: {اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْـحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة: 255].
وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر: 67]، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)10.
قال الإمام ابن القيم:" القرآن كلام الله، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته، فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق، وتنكسر النفوس، وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء، وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال، وهو كمال الأسماء، وجمال الصفات، وجمال الأفعال الدال على كمال الذات، فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها، بحسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله، فيصبح عبده فارغاً إلا من محبته، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء، ثم قال: "وجماع ذلك: أنه سبحانه يتعرف إلى العبد بصفات إلهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه، والافتقار إليه، والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار له"11.
الثاني: إدراك ضعف المخلوق وعجزه:
فمن عرف قدر نفسه، وأنَّه مهما بلغ في الجاه والسلطان والمال؛ فهو عاجز ضعيف لا يملك لنفسه صرفاً ولا عدلاً؛ تصاغرت نفسه، وذهب كبرياؤه، وذلَّت جوارحه، وعظم افتقاره لمولاه، والتجاؤه إليه، وتضرعه بين يديه، قال عز وجل: {فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ}[الطارق: 5-10].
وقد جمع الإمام ابن القيم بين هذين الأمرين بقوله: "مَنْ كملت عظمة الحق تعالى في قلبه عظمت عنده مخالفته؛ لأن مخالفة العظيم ليست كمخالفة مَنْ هو دونه، ومَنْ عرف قدر نفسه وحقيقتها؛ وفقرها الذاتي إلى مولاها الحق في كل لحظة ونَفَس، وشدة حاجتها إليه؛ عظمت عنده جناية المخالفة لمن هو شديد الضرورة إليه في كل لحظـة ونَفَـس، وأيضـاً فإذا عـرف حقارتها مع عظم قدر من خالقه؛ عظمت الجناية عنده؛ فشمَّر في التخلص منها، وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به يكون تشميره في التخلص منها، وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به؛ يكون تشميره في التخلص من الجناية التي تلحق به"12.
اللهم وفقنا لطاعتك وعبادتك يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
1 -مدارج السالكين، لابن القيم (2/439).

2 – تفسير ابن كثير (3/529).

3 -المرجع السابق، (2/440).

4 – أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، (1/ 843)، رقم (974).

5 – أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/535)، رقم (177).

6 – الخشوع في الصلاة، لابن رجب الحنبلي، ص (14-34).

7 – مجلة البيان، العدد 196 ذو الحجة 1424هـ بتصرف.

8 – سير أعلام النبلاء (8/ 724).

9 – المرجع السابق (8/426).

10 – أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، (2148/4)، رقم (2788)، واللفظ له، وأخرجه البخاري مختصراً في كتاب التوحيد، (393/13)، رقم (7412). وأخرجه أبو داود في كتاب السنة، (234/4)، رقم (4732) بلفظ: (ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن بيده الأخرى).

11 – الفوائد (ص 28 – 81).

12 -مدارج السالكين، (1/541 – 144).


الــوافــي 29-11-2020 08:42 AM

*,

جزاك الله خير
طرح يفوق الجمال
كعادتك إبداع في صفحآتك
يعطيك العافيه يارب
وبإنتظار المزيد من هذا الفيض
لقلبك السعادة والفرح
ودي لك

أسير الشوق 29-11-2020 09:50 AM

اللهم وفقنا لطاعتك وعبادتك يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم آمين

ثبًت الله قلبك على الطاعه
وجمل حالك بالستر والقناعه
وجعل القرآن رفيقك في كل ساعه

المتمرد 29-11-2020 10:06 AM

جزاك الله خير وكتبها في موازين حسناتك
وبارك الله فيك وفي مجهودك العظيم
ودي واحترامي لك

ودق الحروف 29-11-2020 03:05 PM

اسأل الله العظيم
أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنان.
وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
دمت برضى الرحمن
https://www.nalwrd.com/vb/upload/20650nalwrd.png

eyes beirut 29-11-2020 03:44 PM

تسلم ايدك ع الطرح

يعتيك العافية

بُليِتُ بِك 29-11-2020 09:46 PM





/





جزاك الله خيراً
وَ جعلها الله في ميزان أعمالك
شكراً لك

Reemas 29-11-2020 10:13 PM

الله يعافيك ويسلمك

على هالطرح المميز


لاخلا ولاعدم

ياسمين 30-11-2020 03:18 PM

جزاك الله خير
يعطيك العافيه

ابو الملكات 30-11-2020 04:06 PM

جزاك الله خير ورحم والديك وانار قلبك وعقلك بنور الايمان وجعل عملك هذا في ميزان حسناتك وجعل الجنة مثواك امين يارب


الساعة الآن 03:58 PM

تصحيح تعريب Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024 
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant