منتديات انفاس الحب

منتديات انفاس الحب (https://a-al7b.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ انفاس الركن الإسلامي ۩۞۩ (https://a-al7b.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   خطبة : الزهد في الدنيا ( 1 ) (https://a-al7b.com/vb/showthread.php?t=74100)

أميرة أميري 13-08-2022 03:10 AM

خطبة : الزهد في الدنيا ( 1 )
 
الزهد في الدنيا
(منقولة بتصرف وتهذيب وزيادة)

الحمد الله الذي أسكن عباده هذه الدار، وجعلها لهم منزلةَ سفر من الأسفار، وجعل الدار الآخرة هي دار القرار
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، سيد الزاهدين، وإمام السابقين والأبرار
وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان فاستعدَّ لدار القرار؛ أما بعد:
فإن الزهد في الدنيا هو الكنز الذي لا يعرف قدره سوى من وفقه الله لحيازته، فهو نعم الرفيق للدار الآخرة، ونعم المواسي
من لَأْوَاءِ الدنيا، ويكفي في فضله أنه شعار الأنبياء، والزهد - يا عباد الرحمن - هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء
إلى ما هو خير منه، وهو ترك راحة الدنيا طلبًا لراحة الآخرة، وأن يخلوَ قلبك مما خلت منه يداك.
ومما يعين العبد على ذلك علمُه أن الدنيا ظل زائل وخيال زائر؛ فهي كما قال تعالى:
﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ﴾ [الحديد: 20]، وسماها الله:
متاع الغرور، ونهى عن الاغترار بها، وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين، وحذرنا من الوقوع في مِثلِ مصارعهم
وذمَّ من رضيَ بها واطمأن إليها، وعلَّمنا أن وراءها دارًا أعظم منها قدرًا، وأجلَّ خطرًا؛ وهي دار البقاء.
ومما يعين العبد على الزهد فيها معرفته وإيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئًا كُتب له منها، وأن حرصه عليها
لا يجلب له ما لم يُقضَ له منها، فمتى تيقن ذلك، ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، فأما ما ينفع في الدار الآخرة
فالزهد فيه ليس من الدين؛ بل صاحبه داخل في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87].
وليس المقصود بالزهد ترك الدنيا ورفضها، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزْهَدِ أهل زمانهما، ولهما من المال
والملك والنساء ما لهما، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة، وكان علي بن أبي طالب
وعبدالرحمن بن عوف والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزُّهَّاد مع ما كان لهم من الأموال، وغيرهم كثير.
وقد سُئل الإمام أحمد: أيكون الإنسان ذا مال وهو زاهد؟! قال: "نعم، إن كان لا يفرح بزيادته، ولا يحزن بنقصانه"
وقال الحسن: "ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك
وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تُصَبْ بها سواء، وأن يكون مادحك وذامُّك في الحق سواء".
هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا
وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب؛ لأن قلبه يتقطع على الدنيا.
إذًا فمدار الزهد إنما هو الرغبة في الله والدار الآخرة، وجَعْلُ الدنيا كالجسر الموصل لذلك النعيم؛ لأن الدنيا وسيلة لا غاية، وممر لا مستقر.
وكثير مما تَرَونه من أحقاد الناس، فمرده إلى ضعف زهدهم في الدنيا، وتعظيم قدر الدنيا في قلوبهم على حساب الآخرة، والله المستعان!
والزهد أنواع؛ فالزهد في الحرام فرض عين، أما الزهد في الشبهات؛ فإن قويَتِ الشبهة التحق بالواجب، وإن ضعفت
كان مستحبًّا، وهناك زهد في فضول الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره، وزهد في الناس، وزهد في النفس؛ حيث تهون عليه نفسه في الله
والزهد الجامع لذلك كله هو الزهد فيما سوى ما عند الله، وفي كل ما يشغلك عن الله، وأفضل الزهد إخفاء الزهد
وأصعبه الزهد في حظوظ النفس.
عباد الله: لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا، وذمَّ الرغبة فيها في غير موضع؛ فقال تعالى: ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]
وقال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]
وقال سبحانه: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23]
وقال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها
فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة))؛ [رواه مسلم]، وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل
فقال: يا رسول الله، دُلَّني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله
وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك))، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء))؛ [رواه الترمذي وصححه].
ولذلك؛ فقد كان الأنبياء والمرسلون أزهد الناس، فهم قدوة البشر في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، ومن تأمَّلَ حياة سيد الأولين والآخرين، علِمَ كيف كان صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه
ويخصف نعله، ويحلب شاته، وما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قُبض، ولربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدَّقَلِ
- وهو رديء التمر - ما يملأ بطنه، وفي غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، ويمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال
لا يُوقَد في بيتهم النار، طعامهم الأسودان: التمر والماء، وكان يقول: ((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة))
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدمًا – أي: جلدًا - حشوه ليف))
وأخرجت رضي الله عنها كساءً ملبدًا، وإزارًا غليظًا؛ فقالت: ((قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين))
ولذلك فهو قدوة الناس وأسوتهم في الزهد والعبادة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما لي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا
كمثل رجل سار في يوم شديد الحر، فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها))؛ [رواه أحمد والترمذي].
لقد حذر الله تبارك وتعالى من فتنة الأموال والأولاد في هذه الحياة؛ حتى لا ينشغل العبد بها عن الاستعداد لما أراد الله منه وهو العبادة
فقال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 28]، ونهى جل وعلا عن النظر
إلى ما في أيدي الناس؛ لأن ذلك مدعاة إلى الركون إلى الدنيا والانشغال بها عن الدار الآخرة الباقية؛ فقال تعالى:
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].
ولقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتخوف الدنيا على أصحابه أن تُبسَط عليهم، كما بُسطَتْ على من كان قبلهم
فيتنافسوها كما تنافسوها، فتهلكهم كما أهلكتهم؛ وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الدنيا حُلوة خَضِرة، وإن الله
مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء))؛ [رواه مسلم].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له"، ولما قدم عمر
رضي الله عنه الشام تلقاه الجنود وعليه إزار وخُفَّان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض بقدميه في الماء، فقالوا: يا أمير المؤمنين، يلقاك الجنود
وبطارقة الشام وأنت على حالتك هذه، فقال: "إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
ودخل رجل على أبي ذر رضي الله عنه، فجعل يُقلِّب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر، ما أرى في بيتك متاعًا ولا أثاثًا، فقال: "إن لنا بيتًا نوجه إليه
صالح متاعنا"، فقال الرجل: إنه لا بد لكم من متاع ما دمتم ها هنا، فقال أبو ذر: "إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه".
وقال علي رضي الله عنه: "تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش إلا جلد كبش، كنا ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح - أي: البعير
- بالنهار، وما لي خادم غيرها، ولقد كانت تعجن، وإن قصتها - أي: مقدمة شعرها - لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها".
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأعذنا يا ربنا من فتنتها؛ آمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

_ إبراهيم الدميجي.

غلا 13-08-2022 06:56 AM

جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم

عواد الهران 13-08-2022 08:21 AM

مشاركه جيده ومفيده

وتفاعل طيب وتواجد جميل

بارك الله فيك

فروله توت ♩ 13-08-2022 10:53 AM

سلمت عا الموضوع الرائع
ف ميزان حسناتك ف انتظار جديدك
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
مودتي


- آتنفسك❀ 13-08-2022 10:55 AM

جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

- شقاء.. 13-08-2022 12:21 PM

_
،



















جَزَاكَ اَللَّهُ خَيْر . . .
وَأَحْسَنَ إِلَيْكَ فِيمَا قَدَّمَتْ
دُمْتُ بِرِضَى اَللَّهِ وَإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ
~

غيمہّ فرٌح 14-08-2022 01:12 AM

جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

أنثى لآتنسى 16-08-2022 12:24 AM

.
.
جُزيتِ الفردوس الأعلى
وجعله الله في موازين حسناتك
https://a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1%20(6).gif

الحقوقي فيصل 17-08-2022 11:53 PM

جَزاك الله خير الجزاء
بوركت .


- وَرد. 18-08-2022 12:33 PM

-


















بارك الله فيك وَ نفع بك
وَ آثابك الفردوس الأعلى مِن الجنة
دمتِ بسعادة.


الساعة الآن 09:48 PM

تصحيح تعريب Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024 
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant